responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 4  صفحه : 218
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي تَذُوقُونَ مَرَارَتَهُ، أَوْ حَرَارَتَهُ بِسَبَبِ مَا قَدَّمْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ. عَبَّرَ عَنِ الْأَشْخَاصِ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَرَ
الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا، وَلِيُفِيدَ أَنَّ مَا عُذِّبُوا عَلَيْهِ هُوَ مِنْ عَمَلِهِمْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إِلَى يَدِ الْفَاعِلِ تُفِيدُ مِنْ إِلْصَاقِهِ بِهِ مَا لَا تُفِيدُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهِ ; لِأَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى الْيَدِ يَمْنَعُ التَّجَوُّزَ، فَمِنَ الْمَعْهُودِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا إِذَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ مَكَّنَ الْعَامِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَى أُسْنِدَ إِلَى يَدِهِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ الْأَيْدِي، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ جَمِيعُ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ضُرُوبِ الْكُفْرِ، وَالْفُسُوقِ، وَالْعِصْيَانِ.
وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ إِنَّمَا يُصِيبُكُمْ بِعَمَلِكُمْ وَبِكَوْنِهِ - تَعَالَى - عَادِلًا فِي حُكْمِهِ، وَفِعْلِهِ لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ، فَيُعَاقِبُ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِقَابِ وَلَا يَجْعَلُ الْمُجْرِمِينَ كَالْمُتَّقِينَ، وَالْكَافِرِينَ كَالْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ كَانَ - سُبْحَانَهُ - ظَلَّامًا لَجَازَ أَلَّا يَذُوقُوا ذَلِكَ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ، وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِهِ، وَقَتْلِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِأَنْ يُجْعَلُوا مَعَ الْمُقَرَّبِينَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وإذًا لَكَانَ الدِّينُ عَبَثًا أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [38: 28] ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [45: 21] ، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [68: 35، 36] فَالِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ تَعْذِيبِ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ هُوَ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُحْسِنِ، وَالْمُسِيءِ، وَوَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَنَاهِيكَ بِهِ ظُلْمًا كَبِيرًا، فَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ اسْتِشْكَالَ عَطْفِ نَفْيِ الظُّلْمِ عَلَى جَرَائِمِهِمْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالْمُبَالَغَةَ بِصِيغَةِ " ظَلَّامٍ " أَفَادَتْ أَنَّ تَرْكَ مِثْلِهِمْ يُعَدُّ ظُلْمًا كَبِيرًا، أَوْ كَثِيرًا.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ عَدْلٌ مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - وَأَشَارَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ (ظَلَّامٍ) إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ كَثِيرَ الظُّلْمِ مُبَالِغًا فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَلِيلُ مِنَ الظُّلْمُ يُعَدُّ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ عَبَّرَ فِي نَفْيِهِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَثْرَةِ.
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ أَيْ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
: إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِي كِتَابِهِ التَّوْرَاةِ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ أَرَادُوا شَيْئًا كَانَ شَائِعًا عِنْدَهُمْ، وَهُمْ أَنْ يُذْبَحَ الْقُرْبَانُ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَيُوضَعَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَتَأْتِيَ نَارٌ بَيْضَاءُ مِنَ السَّمَاءِ لَهَا دَوِيٌّ فَتَأْخُذَهُ، أَوْ تَحْرِقَهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 4  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست