responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 4  صفحه : 212
بَذْلَ كُلِّ مَا يَكْسِبُونَ، وَأَنْ يَبْقُوا جَائِعِينَ عُرَاةً بَائِسِينَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ أُوتُوا صِفَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَمُوهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ تَبْقَى عَلَى عُمُومِهَا، فَإِنَّ الْمَالَ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ، وَالْجَاهُ، وَالنَّاسُ مُطَالَبُونَ بِشُكْرِ ذَلِكَ، وَالْبُخْلُ عَلَى النَّاسِ بِهِ كُفْرٌ لَا شُكْرٌ.
قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْبُخْلَ الْمَذْمُومَ هُنَا هُوَ الْبُخْلُ بِمَا يَجِبُ بَذْلُهُ مِمَّا يَتَفَضَّلُ اللهُ بِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ، هِيَ أَنَّ فِي الْعُمُومِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي النَّفْسِ مَا لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَكَانَتْ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ إِذَا أُنْزِلَتْ مُقَرِّرَةً، فَإِذَا طَرَقَ سَمْعَ الْمُؤْمِنِ هَذَا الْقَوْلُ تَذَكَّرَ فَضْلَ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ حَقًّا لِلنَّاسِ، وَأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ يُذَكَّرُ بِهِ، سَوَاءٌ مِنْهُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ، وَمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مُعَيَّنٍ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِهِ الَّذِي يَتْبَعُ عَاطِفَةَ الْإِيمَانِ. وَإِنَّمَا نَفَى أَوَّلًا كَوْنَهُ خَيْرًا، ثُمَّ أَثْبَتَ كَوْنَهُ شَرًّا مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يُمَارَى فِيهِ ; لِأَنَّ الْمَانِعَ لِلْحَقِّ إِنَّمَا يَمْنَعُهُ لِأَنَّهُ يَحْسَبُ أَنَّ فِي مَنْعِهِ خَيْرًا لَهُ لِمَا فِي بَقَاءِ الْمَالِ فِي الْيَدِ مَثَلًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِالتَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ، وَدَفْعِ الْغَوَائِلِ، وَالْآفَاتِ، وَتَوَهُّمِ التَّمَكُّنِ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ التَّحْدِيدَ كَانَ أَوْضَحَ، وَأَنْفَى لِلْإِيهَامِ. قُلْنَا: إِنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ هِدَايَةٍ، وَوَعْظٍ يُخَاطِبُ الْأَرْوَاحَ لِيَجْذِبَهَا إِلَى
الْخَيْرِ بِالْعِبَارَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ تَأْثِيرًا لَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ، وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفُنُونِ الَّتِي تُتَحَرَّى فِيهَا التَّعْرِيفَاتُ الْجَامِعَةُ الْمَانِعَةُ، وَكِتَابٌ هَذَا شَأْنُهُ لَا يَجْرِي عَلَى السَّنَنِ الَّذِي لَا يَلِيقُ إِلَّا بِضُعَفَاءِ الْعُقُولِ الَّذِينَ فَسَدَتْ فِطَرُهُمْ بِالتَّعَالِيمِ الْفَاسِدَةِ، يَعْنِي تِلْكَ التَّعَالِيمَ الَّتِي تَشْغَلُ الْأَذْهَانَ بِعِبَارَتِهَا الضَّيِّقَةِ، وَأَسَالِيبِهَا الْمُعَقَّدَةِ، فَلَا يَنْفُذُ إِلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ مِمَّا يَعْتَصِرُ مِنْهَا ; وَلِذَلِكَ قَالَ: وَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تُخْطِرُ فِي الْبَالِ بَذْلَ كُلِّ مَا فِي الْيَدِ، وَتَكَادُ تُوجِبُهُ - لَوْلَا الدَّلَائِلُ الْأُخْرَى - تُحْدِثُ فِي النَّفْسِ أَرِيحِيَّةً لِلْبَذْلِ تَدْفَعُهَا إِلَى بَذْلِ الْوَاجِبِ، وَزِيَادَةٍ عَلَيْهِ. وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْأَخِيرَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُبْخَلُ بِهِ هُوَ الْمَالُ، فَإِذَا جَرَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ يَعُمُّ الْمَالَ، وَالْعِلْمَ، وَالْجَاهَ، وَكُلَّ فَضْلٍ مِنَ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ النَّاسَ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَجْعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ الْمِثَالِ، وَنَقُولَ: إِنَّ التَّحْدِيدَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلنَّاسِ مِنَ الْجَاهِ، وَالْعِلْمِ مُتَعَذَّرٌ، إِذَا فَرَضْنَا أَنَّ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي الْمَالِ مُتَيَسِّرٌ، وَبِهَذَا كَانَتِ الْآيَةُ شَامِلَةً لِمَا لَا يَتَأَتَّى تَفْصِيلُهُ، إِلَّا بِصُحُفٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ الْجَوَابُ أَظْهَرَ، وَالْإِيجَازُ أَبْلَغَ فِي الْإِعْجَازِ وَأَكْبَرَ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ الْعُمُومَ فِي قَوْلِهِ: بِمَا آتَاهُمُ اللهُ الْعُمُومُ فِي الْجَزَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْبُخْلِ فِي قَوْلِهِ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يَقُلْ: سَيُطَوَّقُونَ زَكَاتَهُمْ، أَوِ الْمَالَ الَّذِي مَنَعُوهُ، أَمَّا مَعْنَى التَّطْوِيقِ فَقَدْ يَكُونُ مِنَ الطَّاقَةِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ ; أَيْ سَيُكَلَّفُونَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَلَا يَجِدُونَ إِلَيْهِ سَبِيلًا كَقَوْلِهِ: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [68: 42]

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 4  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست