responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 84
ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ - تَعَالَى - الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّبَا وَالصَّدَقَةِ، إِذْ جَاءَ الْكَلَامُ عَنْهُ بَعْدَ الْكَلَامِ عَنْهَا بِبَيَانِ أَثَرِهِمَا فَقَالَ: يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ فَسَّرُوا مَحْقَ اللهِ الرِّبَا بِإِذْهَابِ بَرَكَتِهِ وَإِهْلَاكِهِ أَوْ إِهْلَاكِ الْمَالِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ، وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا حَتَّى عَرَفَهُ الْعَامَّةُ فَهُمْ يَذْكُرُونَ دَائِمًا مَا يَحْفَظُونَ مِنْ أَخْبَارِ آكِلِي الرِّبَا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَخَرِبَتْ
بُيُوتُهُمْ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ " إِنِ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَعَاقِبَتُهُ تَصِيرُ إِلَى قَلٍّ " وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ هَذَا الْمَحْقَ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يُبْطِلَ مَا يَكُونُ مِنْهُ مِمَّا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ، فَلَا يَبْقَى لِأَهْلِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْمَحْقِ مَحْقَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَالِ ; فَإِنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْمُشَاهَدَةِ وَالِاخْتِبَارِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يُلَاقِي الْمُرَابِي مِنْ عَدَاوَةِ النَّاسِ وَمَا يُصَابُ بِهِ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوَسَاوِسِ وَغَيْرِهَا، أَمَّا عَدَاوَةُ النَّاسِ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ عَدُوُّ الْمُحْتَاجِينَ وَبَغِيضُ الْمَعُوزِينَ، وَقَدْ تُفْضِي الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ إِلَى مَفَاسِدَ وَمَضَرَّاتٍ، وَاعْتِدَاءٍ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْأُمَمِ الَّتِي فَشَا فِيهَا الرِّبَا إِذْ قَامَ الْفُقَرَاءُ فِيهَا يُعَادُونَ الْأَغْنِيَاءَ وَيَتَأَلَّبُ الْعُمَّالُ عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْقَدَ الْمَسَائِلِ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا مَا يُصَابُ بِهِ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوَسَاوِسِ وَالْأَوْهَامِ فَهُوَ مَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ رَاقَبَ هَؤُلَاءِ الْعَابِدِينَ وَتَلَا أَخْبَارَهُمْ. وَلَا أَذْكُرُ عَنْهُ مِثَالًا عَلَى ذَلِكَ، وَمَا الْأَمْثَالُ فِيهِ بِقَلِيلَةٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْغَلُهُ الْمَالُ عَنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يُقَصِّرَ فِي حُقِّ نَفْسِهِ وَحُقُوقِهِمْ تَقْصِيرًا يُفْضِي إِلَى الْخُسْرِ أَوِ الْمَهَانَةِ وَالذُّلِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْكَبُ لِذَلِكَ الصَّعْبِ وَيَقْتَحِمُ الْخَطَرَ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ.
وَأَقُولُ: الْمَحْقُ فِي اللُّغَةِ: مَحْوُ الشَّيْءِ وَالذَّهَابُ بِهِ، كَمُحَاقِ الْقَمَرِ، وَكُلُّ مَا لَا يُحْسِنُ الْمَرْءُ عَمَلَهُ فَقَدْ مَحَقَهُ - كَمَا فِي الْأَسَاسِ - فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَحْقِ الرِّبَا مَحْوُ مَا يَطْلُبُ النَّاسُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ مِنَ اللَّذَّةِ وَبَسْطَةِ الْعَيْشِ وَالْجَاهِ وَالْمَكَانَةِ، وَزِيَادَةُ الرِّبَا تَذْهَبُ بِذَلِكَ لِاشْتِغَالِ الْمُرَابِي غَالِبًا عَنِ اللَّذَّةِ وَخَفْضِ الْمَعِيشَةِ بِوَلَهِهِ فِي مَالِهِ وَلِمَقْتِ النَّاسِ إِيَّاهُ وَكَرَاهَتِهِمْ لَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَهُوَ لَمْ يُحْسِنِ التَّصَرُّفَ فِي التَّوَصُّلِ إِلَى ثَمْرَةِ الْمَالِ، وَأَمَّا إِرْبَاءُ الصَّدَقَاتِ فَهُوَ زِيَادَةُ فَائِدَتِهَا وَثَمَرَتِهَا فِي الدُّنْيَا وَأَجْرِهَا فِي الْآخِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِ الصَّدَقَةِ وَمُضَاعَفَةِ اللهِ إِيَّاهَا، فَمَعْنَى يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ أَنَّ سُنَّتَهُ قَضَتْ فِي عَابِدِ الْمَالِ الَّذِي لَا يَرْحَمُ مَعُوزًا وَلَا يُنْظِرُ مُعْسِرًا إِلَّا بِمَالٍ يَأْخُذُهُ رِبًا بِدُونِ مُقَابِلٍ أَنْ يَكُونَ مَحْرُومًا مِنَ الثَّمَرَةِ الشَّرِيفَةِ لِلثَّرْوَةِ، وَهِيَ كَوْنُ صَاحِبِهَا نَاعِمًا عَزِيزًا شَرِيفًا عِنْدَ النَّاسِ. لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا لِخَيْرِهِمْ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى زَمَنِهِمْ، كَمَا يَكُونُ مَحْرُومًا فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابِ الْمَالِ، فَهُوَ فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِمَالِهِ هَذَا
الضَّرْبَ مِنَ الِانْتِفَاعِ كَمَنْ مُحِقَ مَالُهُ وَهَلَكَ، وَقَضَتْ سُنَّتُهُ فِي الْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاعُهُ بِمَالِهِ أَكْبَرَ مِنْ مَالِهِ - وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فَلَا نُعِيدُهُ - وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 84
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست