responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 49
مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ الْبَشَرُ مِنْ سِرِّ التَّكْوِينِ وَالْإِحْيَاءِ وَهُوَ تَوْضِيحُ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ وَلَوْلَا أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - بَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ - بِمَا حَكَاهُ عَنْ خَلِيلِهِ - لَجَازَ أَنَّ يَطْمَعَ فِي الْوُقُوفِ عَلَى سِرِّ التَّكْوِينِ الطَّامِعُونَ، وَلَوْ فَهِمَ الرَّازِّيُّ هَذَا لَمَا قَالَ: إِنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَى الْغَيْرِ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْجَوَابِ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ مُوسَى إِذْ طَلَبَ رُؤْيَةَ اللهِ - تَعَالَى -، وَمِنْ جَوَابِ السَّائِلِينَ عَنِ الْأَهِلَّةِ وَلَيْسَ مِثْلُهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَأَوْضَحُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا وَنَهَى عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ تَفْسِيرَ أَبِي مُسْلِمٍ لِلْآيَةِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّظْمُ،
وَهُوَ الَّذِي يُجَلِّي الْحَقِيقَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ ; فَإِنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِحْيَاءِ هِيَ عَيْنُ كَيْفِيَّةِ التَّكْوِينِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِتَعَلُّقِ إِرَادَةِ اللهِ - تَعَالَى - بِالشَّيْءِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِكَلِمَةِ التَّكْوِينِ " كُنْ " فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ الْبَشَرُ إِلَى كَيْفِيَّةٍ لَهُ إِلَّا إِذَا أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَى كُنْهِ إِرَادَةِ اللهِ - تَعَالَى - وَكَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِهَا بِالْأَشْيَاءِ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ - أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ ; فَصِفَاتُ اللهِ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْعَجْزُ عَنِ الْإِدْرَاكِ فِيهَا هُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ مَا أَفَادَهُ قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ فِي النَّظْمِ الْمُحْكَمِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ثُمَّ اجْعَلْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي الَّذِي يَقْتَضِيهِ إِمَالَةُ الطُّيُورِ وَتَأْنِيسُهَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ صُرْهُنَّ يَدُلُّ عَلَى التَّأْنِيسِ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَقَالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَقَطِّعْهُنَّ وَاجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْإِمَالَةِ إِلَيْهِ وَيَعْطِفْ جَعْلَهَا عَلَى الْجِبَالِ بِـ " ثُمَّ ". وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا خَتْمُ الْآيَةِ بِاسْمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ دُونَ اسْمِ الْقَدِيرِ. وَالْعَزِيزُ: هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُنَالُ. وَمَا صَرَفَ جُمْهُورَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى وُضُوحِهِ إِلَّا الرِّوَايَةُ بِأَنَّهُ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ طُيُورٍ مِنْ جِنْسِ كَذَا وَكَذَا وَقَطَّعَهَا وَفَرَّقَهَا عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَطَارَ كُلُّ جُزْءٍ إِلَى مُنَاسِبِهِ حَتَّى كَانَتْ طُيُورٌ تُسْرِعُ إِلَيْهِ ; فَأَرَادُوا تَطْبِيقَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا وَلَوْ بِالتَّكَلُّفِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَهَمُّهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ خَصَائِصُ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْخَوَارِقِ الْكَوْنِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ وَالْإِخْرَاجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَهُوَ أَكْبَرُ الْآيَاتِ، وَلِكُلِّ أَهْلِ زَمَنٍ غَرَامٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ يَتَحَكَّمُ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ. وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ فَهْمَ كِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنَ التَّأَثُّرِ بِكُلِّ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ الْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي مُسْلِمٍ مَا أَدَقَّ فَهْمَهُ وَأَشَدَّ اسْتِقْلَالَهُ فِيهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست