responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 303
وَالْحَقِّ مَا يَكُونُ هُوَ السَّبَبُ لِعَدَمِ قَبُولِهَا فَإِنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ الْمُسْتَلْزِمَ لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِ التَّائِبِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعَطَاءِ الْجُزَافِ وَالْأَمْرِ الْأُنُفِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمُوَافَقَةِ سُنَنِ اللهِ فِي الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ أَنْ يُحْدِثَ لَهَا الْعِلْمُ بِقُبْحِ الذَّنْبِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ أَلَمًا يَحْمِلُهَا عَلَى تَرْكِهِ وَمَحْوِ أَثَرِهِ الْمُدَنِّسِ لَهَا بِعَمَلٍ صَالِحٍ يُحْدِثُ فِيهَا أَثَرًا مُضَادًّا لِذَلِكَ الْأَثَرِ. وَبِهَذَا تَكُونُ التَّوْبَةُ مُعِدَّةً صَاحِبَهَا وَمُؤَهِّلَةً لَهُ لِلْمَغْفِرَةِ الَّتِي هِيَ تَرْكُ الْعُقُوبَةِ عَلَى الذَّنْبِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى مَحْوِ سَبَبِهِ وَهُوَ تَدْنِيسُ النَّفْسِ وَتَدْسِيَتُهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [91: 9، 10] فَإِذَا بَلَغَتِ التَّدْسِيَةُ مِنْ بَعْضِهَا مَبْلَغًا تَتَعَذَّرُ مَعَهُ التَّزْكِيَةُ عَلَى مُرِيدِهَا أَوْ مُحَاوِلِهَا صَحَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ صَاحِبِ هَذِهِ النَّفْسِ. مِثَالُ ذَلِكَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ النَّاصِعُ يُصِيبُهُ لَوَثٌ فَيَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ
صَاحِبُهُ فَيَغْسِلُهُ فَيَنْظُفُ، فَإِذَا كَانَ اللَّوَثُ قَلِيلًا وَبَادَرَ إِلَى غَسْلِهِ بُعَيْدَ طُرُوئِهِ يُرْجَى أَنْ يَزُولَ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ. وَلَكِنَّ هَذَا الثَّوْبَ إِذَا دُسَّ فِي الْأَقْذَارِ سِنِينَ كَثِيرَةً حَتَّى تَخَلَّلَتْ جَمِيعَ خُيُوطِهِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهَا فَاصْطَبَغَ بِهَا صِبْغَةً جَدِيدَةً ثَابِتَةً تَعَذَّرَ تَنْظِيفُهُ وَإِعَادَتُهُ إِلَى نَصَاعَتِهِ الْأُولَى. وَبَيْنَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَمَا قَبْلَهَا دَرَجَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى الطَّرَفَيْنِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [4: 17، 18] تِلْكَ حَالَةُ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ الْهَازِئِينَ بِالدِّينِ الْمُتَقَلِّبِينَ فِي الْكُفْرِ الْعَرِيقِينَ فِي الشَّرِّ ; وَلِذَلِكَ سَجَّلَ عَلَيْهِمُ الرُّسُوخَ فِي الضَّلَالِ بِصِيغَةِ الْقَصْرِ أَوِ الْحَصْرِ فَقَالَ: وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ الْمُتَمَكِّنُونَ مِنَ الضَّلَالِ حَتَّى كَأَنَّهُ مَحْصُورٌ فِيهِمْ، وَحَسْبُكَ بِضَالٍّ لَا تُرْجَى هِدَايَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخِذْلَانِ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْكَافِرِينَ فِي الْآيَاتِ، فَالْأَوَّلُ مَنْ يَتُوبُونَ تَوْبَةً مَقُبُولَةً مِنَ الْكُفْرِ وَيَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ. وَالثَّانِي مَنْ يَتُوبُونَ تَوْبَةً غَيْرَ مَقْبُولَةٍ إِمَّا لِفَسَادِهَا فِي نَفْسِهَا وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ عَنْ بَعْضِ أَعْمَالِ الْكُفْرِ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، أَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ عَلَى الْكُفْرِ وَأَعْمَالِهِ حَتَّى يُدْرِكَهُمُ الْمَوْتُ عَلَى ذَلِكَ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا إِذَا كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ كُلَّ عَمَلٍ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [25: 23] فَهُوَ لَا يُفِيدُ فِي نَجَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَرْتَقِ رُوحُهُ فِي الدُّنْيَا إِلَى دَرَجَةِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا لَا تَرْتَقِي فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْهَاوِيَةِ الَّتِي تُسَمَّى النَّارَ وَالْجَحِيمَ إِلَى دَرَجَةٍ مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا الَّتِي تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ وَلَوِ افْتَدَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست