responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 288
قَطْعًا لِعُذْرِهِمْ وَإِظْهَارًا لِعِنَادِهِمْ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَهُ اللهُ -
تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ - تَعَالَى - أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ بِأَنَّهُمْ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ آمَنُوا بِهِ وَنَصَرُوهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَبِلُوا ذَلِكَ. وَحَكَمَ بِأَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْفَاسِقِينَ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا رُجُوعٌ إِلَى أَصْلِ الْمَوْضُوعِ الَّذِي افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِتَقْرِيرِهِ وَهُوَ التَّنْزِيلُ، وَكَوْنُ الدِّينِ عِنْدَ اللهِ وَاحِدًا، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَسَائِرُ النَّبِيِّينَ، وَكَوْنُ اللهِ - تَعَالَى - مُخْتَارًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضَ خَلْقِهِ مِنْ مَزِيَّةٍ أَوْ نُبُوَّةٍ وَقَدْ سَبَقَتْ تِلْكَ الْمَسَائِلُ لِإِثْبَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِزَالَةِ شُبْهَاتِ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْثَةَ نَبِيٍّ مِنَ الْعَرَبِ وَاسْتَتْبَعَ ذَلِكَ مُحَاجَّتَهُمْ وَبَيَانَ خَطَئِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تُقَرِّرُهَا هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْحُجَجِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَيْهِمْ لِدَحْضِ مَزَاعِمِهِمْ وَهِيَ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى أَتْبَاعِهِمْ بِالتَّبَعِ لَهُمْ بِأَنَّ مَا يُعْطُونَهُ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ - وَإِنْ عَظُمَ أَمْرُهُ - فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَنْ يُرْسَلُ مِنْ بَعْدِهِمْ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ مِنْهُ وَأَنْ يَنْصُرُوهُ. أَيْ فَالْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الْمَوْضُوعِ.
أَمَّا أَخْذُ الْمِيثَاقِ مِنَ الْمَرْءِ، وَهُوَ الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ الْمُؤَكَّدُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ الْمُعَاهِدُ (بِكَسْرِ الْهَاءِ) يَلْتَزِمُ لِلْآخِذِ وَهُوَ الْمُعَاهَدُ (بِفَتْحِ الْهَاءِ) أَنْ يَفْعَلَ كَذَا مُؤَكِّدًا ذَلِكَ بِالْيَمِينِ أَوْ بِلَفْظٍ مِنَ الْمُعَاهَدَةِ أَوِ الْمُوَاثَقَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: " الْمِيثَاقَ مِنَ النَّبِيِّينَ ". فَالنَّبِيُّونَ هُمُ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ سَارِيًا عَلَى أَتْبَاعِهِمْ بِالْأَوْلَى، كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ إِضَافَةَ مِيثَاقٍ إِلَى النَّبِيِّينَ عَلَى أَنَّهُمْ أَصْحَابُهُ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْمُوثِقِ لَا إِلَى الْمُوثَقِ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ: عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُ اللهِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِ مَسْكُوتًا عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَتَقْدِيرُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى أُمَمِهِمْ، أَوِ الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى قَوْمِكُمْ. أَوِ التَّقْدِيرُ: " مِيثَاقَ أُمَمِ النَّبِيِّينَ "، وَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنِ السَّلَفِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالثَّانِي مِنْ آلِ الْبَيْتِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ قَالَ: هُوَ عَلَى حَدِّ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [65: 1] . فَالْخِطَابُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ وَالْمُرَادُ أَمَتُّهُ عَامَّةً.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَوِ الطَّرِيقَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الْعِبَارَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ
عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي أُوتِيَتِ الْكِتَابَ إِذَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْصُرُوهُ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمِيثَاقِ اللهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ أَوْ مِيثَاقِهِ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَمَا آتَيْتُكُمْ لَامُ التَّوْطِئَةِ لِأَخْذِ الْمِيثَاقِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ أَيْ أَنَّ الْمِيثَاقَ بِمَعْنَى الْقَسَمِ، فَأَخْذُهُ بِمَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ وَ " مَا " الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا اللَّامُ هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى: مَهْمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ وَاللَّامُ فِي لَتُؤْمِنُنَّ لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست