responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 260
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ فِي تَفْسِيرِ: خَيْرُ الْمَاكِرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكْرَ فِي نَفْسِهِ شَرٌّ: أَيْ إِنْ كَانَ فِي الْخَيْرِ
مَكْرٌ، فَمَكْرُهُ - سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى مُوَجَّهٌ إِلَى الْخَيْرِ وَمَكْرُهُمْ هُوَ الْمُوَجَّهُ إِلَى الشَّرِّ.
إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ مَكْرُ اللهِ بِهِمْ ; إِذْ قَالَ لِنَبِيِّهِ: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ إِلَخْ، فَإِنَّ هَذِهِ بِشَارَةٌ بِإِنْجَائِهِ مِنْ مَكْرِهِمْ وَجَعْلِ كَيْدِهِمْ فِي نَحْرِهِمْ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَلَمْ يَنَالُوا مِنْهُ مَا كَانُوا يُرِيدُونَ بِالْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ، وَالتَّوَفِّي فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا تَامًّا، وَمِنْ ثَمَّ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْإِمَاتَةِ قَالَ - تَعَالَى -: اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [39: 42] وَقَالَ: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [32: 11] فَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ: إِنِّي مُمِيتُكَ وَجَاعِلُكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ عِنْدِي، كَمَا قَالَ فِي إِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [19: 57] وَاللهُ - تَعَالَى - يُضِيفُ إِلَيْهِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْأَبْرَارُ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ قَبْلَ الْبَعْثِ وَبَعْدَهُ كَمَا قَالَ فِي الشُّهَدَاءِ: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [3: 169] وَقَالَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [54: 54، 55] وَأَمَّا تَطْهِيرُهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُوَ: إِنْجَاؤُهُ مِمَّا كَانُوا يَرْمُونَهُ بِهِ أَوْ يَرُومُونَهُ مِنْهُ وَيُرِيدُونَهُ بِهِ مِنَ الشَّرِّ. هَذَا مَا يَفْهَمُهُ الْقَارِئُ الْخَالِي الذِّهْنِ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْعِبَارَةِ وَقَدْ أَيَّدْنَاهُ بِالشَّوَاهِدِ مِنَ الْآيَاتِ، وَلَكِنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدْ حَوَّلُوا الْكَلَامَ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيَنْطَبِقَ عَلَى مَا أَعْطَتْهُمُ الرِّوَايَاتُ مِنْ كَوْنِ عِيسَى رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ بِجَسَدِهِ، وَهَاكَ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ:
يَقُولُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أَيْ مُنَوِّمُكَ، وَبَعْضُهُمْ: إِنِّي قَابِضُكَ مِنَ الْأَرْضِ بِرُوحِكَ وَجَسَدِكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ بَيَانٌ لِهَذَا التَّوَفِّي، وَبَعْضُهُمْ: إِنِّي أُنَجِّيكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَدِينَ، فَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ قَتْلِكَ، وَأُمِيتُكَ حَتْفَ أَنْفِكَ ثُمَّ أَرْفَعُكَ إِلَيَّ، وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى الْجُمْهُورِ وَقَالَ: لِلْعُلَمَاءِ هَاهُنَا طَرِيقَتَانِ إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ - أَنَّهُ رُفِعَ حَيًّا بِجِسْمِهِ وَرُوحِهِ، وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِشَرِيعَتِنَا ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللهُ تَعَالَى.
وَلَهُمْ فِي حَيَاتِهِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَلَامٌ طَوِيلٌ مَعْرُوفٌ، وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ فِي تَقْدِيمِ الرَّفْعِ عَلَى التَّوَفِّي بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا. أَقُولُ: وَفَاتَهُمْ أَنَّ مُخَالَفَةَ التَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ لِلتَّرْتِيبِ فِي الْوُجُودِ لَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ إِلَّا لِنُكْتَةٍ، وَلَا نُكْتَةَ هُنَا لِتَقْدِيمِ التَّوَفِّي عَلَى الرَّفْعِ ; إِذِ الرَّفْعُ هُوَ الْأَهَمُّ
لِمَا فِيهِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِالنَّجَاةِ وَرِفْعَةِ الْمَكَانَةِ.
(قَالَ) : وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَنَّ التَّوَفِّيَ عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ وَهُوَ الْإِمَاتَةُ الْعَادِيَّةُ، وَأَنَّ الرَّفْعَ يَكُونُ بَعْدَهُ وَهُوَ رَفْعُ الرُّوحِ، وَلَا بِدَعَ فِي إِطْلَاقِ الْخِطَابِ عَلَى شَخْصٍ وَإِرَادَةِ رُوحِهِ، فَإِنَّ الرُّوحَ هِيَ حَقِيقَةُ الْإِنْسَانِ، وَالْجَسَدُ كَالثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَتَغَيَّرُ، وَالْإِنْسَانُ إِنْسَانٌ لِأَنَّ رُوحَهُ هِيَ هِيَ. (قَالَ) : وَلِصَاحِبِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي حَدِيثِ الرَّفْعِ وَالنُّزُولِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَخْرِيجَانِ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست