responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 239
مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ مِنْ قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِالْوَسْوَسَةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْطَانِهِ: إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ حَدِيثَ اسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْهُ وَنَحْوَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ - تَعَالَى -: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [15: 42] وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفْوَةُ عِبَادِهِ وَخَاتَمُ رُسُلِهِ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، فَإِنَّ الْآيَةَ تَنْفِي سُلْطَةَ الشَّيْطَانِ عَنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ آنٍ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآيَةَ تَنْفِي السُّلْطَانَ عَلَيْهِمْ لَا أَصْلَ الْوَسْوَسَةِ، فَإِذَا وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ وَلَمْ تُطَعْ وَسْوَسَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُلْطَانٌ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْوَسْوَسَةِ وَلَا إِلَى الْأَمْرِ بِالشَّرِّ قَطُّ، وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ عُلْيَا لَا يَرْتَقِي إِلَيْهَا كُلُّ عِبَادِ اللهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِسْلَامُ شَيْطَانِهِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ مَا، وَلَكِنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ وَطَمَعٌ، فَزَالَ وَغَلَبَهُ نُورُ النُّبُوَّةِ حَتَّى يَئِسَ وَزَالَ حَظُّهُ فَلَمْ يَعُدْ يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ أَوْ أَسْلَمَ كَمَا وَرَدَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَا فَسَّرَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ حَدِيثَ مَرْيَمَ وَعِيسَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَا أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُمْتَازَيْنِ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ يَطْمَعُ فِيهِ وَلَمْ يَطْمَعْ
فِيهِمَا، وَهَذَا مَا يُشَاغِبُ بِهِ دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَدِلِّينَ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَفْضِيلِ عِيسَى عَلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَوْقَ الْبَشَرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ كِتَابَ هَؤُلَاءِ الدُّعَاةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَفِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعِ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا مَا نَصُّهُ:
" [1] أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الْأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَكَانَ يَقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ [2] أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ، وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا [3] وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا [4] فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قَائِلًا مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ [5] ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ [6] وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لِأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ [7] فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ [8] فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ إِنَّهُ مَكْتُوبٌ لِلرَّبِّ إِلَهَكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ [9] ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورْشَلِيمَ وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكْ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ [10] لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ [11] وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تُصْدَمَ بِحَجْرٍ رِجْلُكَ [12] فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ إِنَّهُ قِيلَ لَا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ [13] وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ ". اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ كَانَ يُوَسْوِسُ لِلْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى يَحْمِلَهُ وَيَأْخُذَهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست