responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 166
لِلَّهِ أَوِ الشَّكُورُ، وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ ضِدُّهُ وَهُوَ الْكَافِرُ أَوِ الْكَفُورُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيَانِ الْعَجِيبِ مِنْ مَنَازِعِ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَّا جَعْلَ الْمَحَبَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَالرِّضَا وَالْكَرَاهَةِ دَاخِلَةً فِي وَصْفِ الْمَشِيئَةِ عَلَى تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ، وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ السَّلَفِ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا شُئُونٌ خَاصَّةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي خَلْقِهِ بِمَا ذَكَرَ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى: " وَكَأَنَّا إِذَا عَرَفْنَا
أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - حَيٌّ قَادِرٌ عَالِمٌ فَلَمْ نَعْرِفْ أَوَّلًا إِلَّا أَنْفُسَنَا. وَلَمْ نَعْرِفْهُ إِلَّا بِأَنْفُسِنَا إِذِ الْأَصَمُّ لَا يَتَصَوَّرُ مَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ وَالْأَكْمَهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّهُ بَصِيرٌ، وَكَذَلِكَ إِذْ قَالَ الْقَائِلُ: كَيْفَ يَكُونُ اللهُ - تَعَالَى - عَالِمًا بِالْأَشْيَاءِ؟ فَنَقُولُ لَهُ: كَمَا تَعْلَمُ أَنْتَ أَشْيَاءَ. فَإِذَا قَالَ كَيْفَ يَكُونُ قَادِرًا؟ فَنَقُولُ: كَمَا تَقْدِرُ أَنْتَ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ، فَيَعْلَمُ أَوَّلًا مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ ثُمَّ يَعْلَمُ غَيْرَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ وَصْفٌ وَخَاصِّيَّةٌ لَيْسَ فِينَا مَا يُنَاسِبُهُ وَيُشَارِكُهُ وَلَوْ فِي الِاسْمِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَهْمُهُ أَلْبَتَّةَ فَمَا عَرَفَ أَحَدٌ إِلَّا نَفْسَهُ. ثُمَّ قَايَسَ بَيْنَ صِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - وَبَيْنَ صِفَاتِ نَفْسِهِ وَتَتَعَالَى صِفَاتُ اللهِ - تَعَالَى - وَتَتَقَدَّسُ عَنْ أَنْ تُشْبِهَ صِفَاتَنَا " اهـ.
فَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا أُطْلِقَ عَلَى اللهِ - تَعَالَى - مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ هُوَ مِمَّا أُطْلِقَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْخَلْقِ ; إِذْ لَوْ وُضِعَ لِصِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ وَخُوطِبَ بِهَا النَّاسُ لَمَا فَهِمُوا مِنْهَا شَيْئًا قَالَ - تَعَالَى -: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [14: 4] وَقَدْ جَاءَ الرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ مِنْ تَنْزِيهِهِ - تَعَالَى - عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَكَوْنِهِ لَا يُمَاثِلُ شَيْئًا وَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ. فَعُلِمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَطْلَقُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الصِّفَاتِ كَالْقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَلَى الْأَفْعَالِ وَالْحَرَكَاتِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَعَلَى الْإِضَافَةِ كَكَوْنِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ لَا يُنَافِي أَصْلَ التَّنْزِيهِ، بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا وَبِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ التَّنْزِيهِ فَنَقُولُ: إِنَّ لَهُ قُدْرَةً لَيْسَتْ كَقُدْرَتِنَا وَرَحْمَةً لَيْسَتْ كَرَحْمَتِنَا وَخَلْقًا لَيْسَ كَخَلْقِنَا.
فَإِنَّ الْخَلْقَ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ الْمَعْرُوفُ مِنَ النَّاسِ لِلْأَشْيَاءِ وَهُوَ - تَعَالَى - أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، لَا يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالَ: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [13: 16] . وَلَيْسَ اسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ كَاسْتِوَاءِ الْمُلُوكِ عَلَى عُرُوشِهِمْ، كَمَا أَنَّ عَرْشَهُ لَيْسَ كَعُرُوشِهِمْ، وَلَا عُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ كَعُلُوِّ بَعْضِ الْأَجْسَامِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ جِسْمًا مُمَاثِلًا لَهُمْ. وَالسَّلَفُ وَالْخَلَفُ أَوِ الْأَثَرِيُّونَ وَالْمُتَكَلِّمُونَ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِ اللهِ - تَعَالَى - عَنْ مُمَاثَلَةِ خَلْقِهِ وَعَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا جَاءَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ فِي وَصْفِهِ - تَعَالَى - وَالْحِكَايَةِ عَنْهُ خَلْقٌ إِلَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ خَالِقًا عَالِمًا مُرِيدًا قَادِرًا، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ ثَابِتَةٌ لَهُ عَقْلًا، وَعَلَيْهَا مَدَارُ إِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ بِالْبُرْهَانِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ دَالَّةٌ عَلَيْهَا. فَمَا يَرِدُ مِنَ الصِّفَاتِ السَّمْعِيَّةِ
يَجِبُ إِرْجَاعُهُ إِلَيْهَا وَلَا نَعُدُّهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 166
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست