responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 139
الْآخِرَةِ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْغَيْبِ كَمَا نُؤْمِنُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَنَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ أَيْ حَقِيقَةَ مَا تَئُولُ إِلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِلَّا اللهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الرَّاسِخُونَ مَا يَقَعُ تَحْتَ حُكْمِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّهِمْ وَلَا يَتَطَاوَلُونَ إِلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ مَا يُخْبِرُ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لِحِسِّهِمْ وَلَا لِعَقْلِهِمْ فِيهِ وَإِنَّمَا سَبِيلُهُ التَّسْلِيمُ فَيَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ لَازِمًا، وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّاسِخِينَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مَا يَجُولُ فِيهِ عِلْمُهُمْ وَمَا لَا يَجُولُ فِيهِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَخْلُوَ الْكِتَابُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَيَكُونَ كُلُّهُ مُحْكَمًا بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَابِلُ الْمُتَشَابِهَ. وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ هُنَا بِمَعْنَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لَا بِمَعْنَى مَا يُفَسَّرُ بِهِ، قَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَوْمَ
يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [7: 53] فَتَبَيَّنَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنْ لَا يُقَالَ عَلَى هَذَا: لِمَاذَا كَانَ الْقُرْآنُ مِنْهُ مُحْكَمٌ وَمِنْهُ مُتَشَابِهٌ؟ لِأَنَّ الْمُتَشَابِهَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ فَلَا يُلْتَمَسُ لَهُ سَبَبٌ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى أَصْلِهِ.
(قَالَ) : وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الثَّانِي لِلْمُتَشَابِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ بَلْ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا مِنْ صِفَاتِ اللهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَخْذُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَصِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [4: 171] فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ السَّمْعِيُّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْخِلَافُ فِي عِلْمِ الرَّاسِخِينَ بِتَأْوِيلِهِ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَالَّذِينَ قَالُوا بِالنَّفْيِ جَعَلُوا حِكْمَةَ تَخْصِيصِ الرَّاسِخِينَ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ هِيَ تَمْيِيزُهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِعْطَاءُ كُلٍّ حُكْمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْإِثْبَاتِ الَّذِينَ يَرُدُّونَ مَا تَشَابَهَ ظَاهِرُهُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ أَوْ أَنْبِيَائِهِ إِلَى أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ الْمُحْكَمُ وَيَأْخُذُونَ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُحْكَمِ مَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ فَهْمِ الْمُتَشَابِهِ، فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنَّهُ مَا خَصَّ الرَّاسِخِينَ بِهَذَا الْعِلْمِ إِلَّا لِبَيَانِ مَنْعِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَوْضِ فِيهِ، قَالَ: فَهَذَا خَاصٌّ بِالرَّاسِخِينَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمِ التَّهَجُّمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِعَالَمِ الْغَيْبِ.
قَالَ وَهَاهُنَا يَأْتِي السُّؤَالُ: لِمَ كَانَ فِي الْقُرْآنِ مُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟ وَلِمَ لَمْ يَكُنْ كُلُّهُ مُحْكَمًا يَسْتَوِي فِي فَهْمِهِ جَمِيعُ النَّاسِ، وَهُوَ قَدْ نَزَلَ هَادِيًا وَالْمُتَشَابِهُ يَحُولُ دُونَ الْهِدَايَةِ بِمَا يُوقِعُ اللَّبْسَ فِي الْعَقَائِدِ. وَيَفْتَحُ بَابَ الْفِتْنَةِ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ؟ أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ هَذَا السُّؤَالَ مُفَصَّلًا، وَذَكَرَ لِلْعُلَمَاءِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ عَنْهُ، قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْآيَةِ: إِنَّ بَعْضَ الْمُلْحِدَةِ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُتَشَابِهَاتِ، وَقَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ تَكَالِيفَ الْخَلْقِ مُرْتَبِطَةٌ بِهَذَا الْقُرْآنِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ إِنَّا نَرَاهُ بِحَيْثُ يَتَمَسَّكُ بِهِ كُلُّ صَاحِبِ مَذْهَبٍ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَذَكَرَ شَيْئًا مِنِ احْتِجَاجِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست