responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 90
الْبِرَّ وَلَا مِنْهُ، بَلْ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ عَمَلًا صَالِحًا كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي آيَاتِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَأَحَلْنَا فِيهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي بَيَّنَ اللهُ فِيهَا مَجَامِعَ الْبِرِّ (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ (لَكِنَّ) بِالتَّشْدِيدِ، وَنَافِعُ وَابْنُ عَامِرٍ بِالتَّخْفِيفِ ; أَيْ: وَلَكِنْ جُمْلَةُ الْبِرِّ هُوَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ إِلَخْ، وَفِيهِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْمَعْنَى بِالذَّاتِ، وَهُوَ مَعْهُودٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ، وَالْقُرْآنُ جَارٍ عَلَى الْأَسَالِيبِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى لَا عَلَى فَلْسَفَةِ النُّحَاةِ وَقَوَانِينِهِمُ الصِّنَاعِيَّةِ، وَبَلَاغَةُ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ إِنَّمَا هِيَ فِي إِيصَالِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ إِلَى الذِّهْنِ عَلَى أَجْلَى وَجْهٍ يُرِيدُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَأَحْسَنِ تَأْثِيرٍ يَقْصِدُهُ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ لَا يَزَالُ مَأْلُوفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى فَسَادِ أَلْسِنَتِهِمْ فِي اللُّغَةِ، يَقُولُونَ: لَيْسَ الْكَرْمُ أَنْ تَدْعُوَ الْأَغْنِيَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ إِلَى طَعَامِكَ وَلَكِنَّ الْكَرَمَ مَنْ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْكَسْبِ، فَالْكَلَامُ مَفْهُومٌ بِدُونِ أَنْ نَقُولَ إِنَّ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ ذَا الْكَرَمِ مَنْ يُعْطِي، أَوْ لَكِنَّ الْكَرَمَ عَطَاءُ مَنْ يُعْطِي. وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي حَاجَةٍ إِلَى بَيَانِ النُّكْتَةِ فِي اخْتِيَارِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ إِلَخْ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْعِبَارَةِ ; فَإِنَّهَا تُمَثِّلُ لَكَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْمَوْصُوفِ بِهِ فَتُفِيدُكَ أَنَّ الْبِرَّ هُوَ الْإِيمَانُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا، وَتَلَبُّسِ الْمُؤْمِنِ الْبَارِّ بِهِمَا مَعًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِيمَانَ بَاعِثٌ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَهِيَ مُنْبَعِثَةٌ عَنْهُ وَأَثَرٌ لَهُ تَسْتَمِدُّ مِنْهُ وَتَمُدُّهُ وَتُغَذِّيهِ ; أَيْ: أَنَّهَا تُمَثِّلُ لَكَ الْمَعْنَى فِي
الشَّخْصِ، أَوِ الشَّخْصَ عَامِلًا بِالْبِرِّ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النَّفْسِ هُنَا مِنْ إِسْنَادِ الْمَعْنَى إِلَى الْمَعْنَى، وَمِنْ إِسْنَادِ الذَّاتِ إِلَى الذَّاتِ كَمَا هُوَ مَذُوقٌ وَمَفْهُومٌ.
ابْتَدَأَ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; لِأَنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ بِرِّ وَمَبْدَأُ كُلِّ خَيْرٍ، وَلَا يَكُونُ الْإِيمَانُ أَصْلًا لِلْبِرِّ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ النَّفْسِ بِالْبُرْهَانِ، مَصْحُوبًا بِالْخُضُوعِ وَالْإِذْعَانِ، فَمَنْ نَشَأَ بَيْنَ قَوْمٍ وَسَمِعَ مِنْهُمُ اسْمَ اللهِ فِي حَلِفِهِمْ وَاسْمَ الْآخِرَةِ فِي حِوَارِهِمْ، وَقَبِلَ مِنْهُمْ بِالتَّسْلِيمِ أَنَّ لَهُ إِلَهًا، وَأَنَّ هُنَاكَ يَوْمًا آخَرَ يُسَمَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ أَهْلَ دِينِهِ هُمْ خَيْرٌ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْبِرِّ وَإِنْ زَادَتْ مَعَارِفُهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُسَلَّمَةِ ; فَحِفْظُ الصِّفَاتِ الْعِشْرِينَ الَّتِي حَدَّدَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَا مَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى عَقْلًا، وَأَضْدَادَهَا الَّتِي تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ عَقْلًا، وَإِنْ حَفِظَ الْعَقِيدَةَ السُّنُوسِيَّةِ الْمُسَمَّاةَ بِأُمِّ الْبَرَاهِينِ أَيْضًا. وَلَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ تُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَةُ خَطَأَهُمْ فِي فَهْمِ مَقَاصِدِ الدِّينِ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْإِذْعَانِ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ هَذَا الْإِيمَانِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ.
الْإِيمَانُ الْمَطْلُوبُ: مَعْرِفَةُ حَقِيقَةٍ تَمْلِكُ الْعَقْلَ بِالْبُرْهَانِ، وَالنَّفْسَ بِالْإِذْعَانِ حَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيُؤْثِرَ أَمْرَهُمَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 90
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست