responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 83
(قَالَ شَيْخُنَا) : هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الدِّينِ عَامٌّ فِي الرُّؤَسَاءِ الضَّالِّينَ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَمِنْهُ مَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْيَهُودِ يُلَاحِظُونَهُ زَمَنَ التَّنْزِيلِ وَهُوَ حِفْظُ مَا بِيَدِهِمُ الَّذِي يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يَفُوتُهُمْ بِتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَالِيدِ وَاتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللهُ بَدَلًا مِنْهَا، وَهَذَا هُوَ شَأْنُ النَّاسِ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ إِلَى إِصْلَاحٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مَا هُمْ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَعِدُهُمْ بِخَيْرٍ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَانَ مَا هُمْ فِيهِ هُوَ الْفَقْرُ وَالذُّلُّ وَالْخِذْلَانُ حَاضِرُهُ أَوْ مُنْتَظِرُهُ.
مَاذَا كَانَ شَأْنُ الْيَهُودِ فِي زَمَنِ الْبِعْثَةِ؟ ذُلٌّ وَاضْطِهَادٌ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَلَا سِيَّمَا النَّصَارَى، فَقَدْ كَانُوا يَسُومُونَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَمَنَعُوهُمْ مِنْ دُخُولِ مَدِينَتِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَكْرَهُوهُمْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ عَلَى التَّنَصُّرِ.
مَاذَا كَانَ النَّصَارَى فِي زَمَنِ الْبِعْثَةِ؟ فَقْرٌ حَاضِرٌ وَذُلٌّ غَالِبٌ، وَحَجْرٌ عَلَى الْعُقُولِ، وَمَنْعٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ، وَتَحَكُّمٌ فِي الْإِرَادَةِ، وَسَيْطَرَةٌ عَلَى خَطِرَاتِ الْقُلُوبِ وَأَهْوَاءِ النُّفُوسِ. كَانَ هَذَا عَامًّا فِي كُلِّ قُطْرٍ وَكُلِّ مَمْلَكَةٍ، وَكَانَ بَيْنَ الطَّوَائِفِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ حُرُوبٌ تَشِبُّ، وَغَارَاتٌ تُشَنُّ، وَدِمَاءٌ تُسْفَكُ، وَحُقُوقٌ تُنْتَهَكُ، وَكَانُوا عَلَى هَذَا كُلِّهِ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيُخْرِجُهُمْ مِنْ سَعَادَةٍ إِلَى شَقَاءٍ، وَمِنْ نِعْمَةٍ إِلَى بَلَاءٍ، هَبْ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ، وَبَقِيَّةٌ مِنَ الْجَاهِ، أَلَيْسَ هُوَ مِنْ فَخْفَخَةِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ، أَلَمْ يَكُنْ مُنَغَّصًا بِالْخَوْفِ عَلَيْهِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِ؟ هَبْ أَنَّهُ كَانَ لِبَعْضِ شُعُوبِهِمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُوَّةِ، أَلَمْ تَكُنْ تُشْبِهُ الزَّوْبَعَةَ تَعْصِفُ وَلَا تَلْبَثُ أَنْ تَزُولَ؟ نَعَمْ إِنَّ مَا كَانَ يَغُرُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْغُرُورِ، لِأَنَّهُ مَتَاعٌ حَقِيرٌ، وَثَمَنٌ قَلِيلٌ، وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ عَلَى أَسَاسٍ ثَابِتٍ، وَلِذَلِكَ زَالَ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَانْتِشَارِهِ وَتَقَوَّضَتْ تِلْكَ السُّلْطَةُ، وَانْدَكَّتْ صُرُوحُ تِلْكَ الْعَظَمَةِ، وَأُجْلِيَ الْيَهُودُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَزَالَ مُلْكُ غَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ بِلَادٍ رَفَضُوا فِيهَا دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا شَأْنُ الْبَاطِلِ لَا يَثْبُتُ أَمَامَ الْحَقِّ ; فَإِنَّ أَحْكَامَ الْبَاطِلِ مُؤَقَّتَةٌ لَا ثَبَاتَ لَهَا فِي ذَاتِهَا، وَإِنَّمَا بَقَاؤُهَا فِي نَوْمِ الْحَقِّ عَنْهَا، وَحُكْمُ الْحَقِّ هُوَ الثَّابِتُ بِذَاتِهِ، فَلَا يُغْلَبُ أَنْصَارُهُ مَا دَامُوا مُعْتَصِمِينَ بِهِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ وَهُوَ عَامٌّ كَمَا يَدُلُّ لَفْظُهُ، وَكَمَا يَلِيقُ بِعَدْلِ اللهِ تَعَالَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعْقُولٌ مِنَ اطِّرَادِ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي تَأْيِيدِ أَنْصَارِ الْحَقِّ وَخَذْلِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهَا وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ لِلْمُتَأَمِّلِينَ.
كُلُّ ثَمَنٍ يُؤْخَذُ عِوَضًا عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ قَلِيلٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ قَلِيلًا فِي ذَاتِهِ فَهُوَ قَلِيلٌ فِي جَنْبِ مَا يَفُوتُ آخَذَهُ مِنْ سَعَادَةِ الْحَقِّ الثَّابِتَةِ بِذَاتِهَا، وَالدَّائِمَةِ بِدَوَامِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحَقِّ، وَلَوْ دَامَ لِلْمُبْطِلِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ ثَمَنِ الْبَاطِلِ إِلَى نِهَايَةِ الْأَجَلِ - وَمَا هُوَ إِلَّا
قَصِيرٌ - فَمَاذَا يَفْعَلُ وَقَدْ فَاتَتْهُ بِذَلِكَ سَعَادَةُ الرُّوحِ وَنَعِيمُ الْآخِرَةِ بِاخْتِيَارِهِ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (9: 38)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 83
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست