responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 80
فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ وَلَا سِيَّمَا الْحَارَةَ كَمَا ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ أَسْبَابِ الدُّودَةِ الْوَحِيدَةِ الْقَتَّالَةِ، وَيُقَالُ إِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا سَيِّئًا فِي الْعِفَّةِ وَالْغَيْرَةِ (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وَهُوَ مَا يُذْبَحُ وَيُقَدَّمُ لِلْأَصْنَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُعْبَدُ. وَالْمَنْعُ مِنْ هَذَا دِينِيٌّ مَحْضٌ لِحِمَايَةِ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْوَثَنِيَّةِ فَكُلُّ مَنْ أَهَلَّ لِغَيْرِ اللهِ عَلَى ذَبِيحَةٍ فَإِنَّهُ يَتَقَرَّبُ إِلَى مَنْ أَهَلَّ بِاسْمِهِ تَقَرُّبَ عِبَادَةٍ، وَذَلِكَ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللهِ وَلَوْ مَعَ اسْمِ اللهِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَعَدَّ مِنْهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا يَجْرِي فِي الْأَرْيَافِ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِهِمْ عِنْدَ الذَّبْحِ - لَا سِيَّمَا ذَبْحَ الْمَنْذُورِ - بِسْمِ اللهِ، اللهُ أَكْبَرُ، يَا سَيِّدُ، يَدْعُونَ السَّيِّدَ الْبَدَوِيَّ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهِمْ وَيَتَقَبَّلَ النَّذْرَ وَيَقْضِيَ حَاجَةَ صَاحِبِهِ، (قَالَ) وَكَيْفَمَا أَوَّلْتَهُ فَهُوَ مُحَرَّمُ، وَمِثْلُ ذِكْرِ السَّيِّدِ ذِكْرُ الرَّسُولِ أَوِ الْمَسِيحِ ; إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الذَّبْحِ غَيْرُ اسْمِ الْمُنْعِمِ بِالْبَهِيمَةِ الْمُبِيحِ لَهَا، فَهِيَ تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ بِاسْمِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ سِوَاهُ، وَلَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى مَنْ عَدَاهُ مِمَّنْ لَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يُنْعِمْ وَلَمْ يُبِحْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاضِعٍ لِلدِّينِ (فَمَنِ اضْطُرَّ) إِلَى الْأَكْلِ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ سِوَاهُ (غَيْرَ بَاغٍ) لَهُ أَيْ: غَيْرُ طَالِبٍ لَهُ، رَاغِبٍ فِيهِ لِذَاتِهِ (وَلَا عَادٍ) مُتَجَاوِزٍ قَدْرَ الضَّرُورَةِ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ بِنَفْسِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ بِالْمَوْتِ جُوعًا أَشَدُّ ضَرَرًا مَنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوِ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، بَلِ الضَّرَرُ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ مُحَقَّقٌ، وَهُوَ فِي فِعْلِهِ مَظْنُونٌ، وَرُبَّمَا كَانَتْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِسَدِّ الرَّمَقِ مَانِعَةٌ مِنَ الضَّرَرِ، وَأَمَّا مَا أُهِلَّ
بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ مُضْطَرًّا فَهُوَ لَا يَقْصِدُ إِجَازَةَ عَمَلِ الْوَثَنِيَّةِ، وَلَا اسْتِحْسَانَهُ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) إِذْ حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ الضَّارَّ، وَجَعَلَ الضَّرُورَاتِ بِقَدْرِهَا، لِيَنْتَفِيَ الْحَرَجُ وَالْعُسْرُ عَنْهُمْ، وَوَكَّلَ تَحْدِيدَهَا إِلَى اجْتِهَادِهِمْ، فَهُوَ يَغْفِرُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ فِيهِ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ.
وَفَسَّرَ الْجَلَالُ كَلِمَةَ (بَاغٍ) بِالْخَارِجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَ (عَادٍ) بِالْمُعْتَدِي عَلَيْهِمْ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ (قَالَ) : وَيَلْحَقُ بِهِمْ كُلُّ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَالْمِكَاسِ، وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْعَاصِيَ كَغَيْرِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلْقَاءُ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَوَقِّي الضَّرَرِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا دَفْعُهُ عَنْهُ إِنِ اسْتَطَعْنَا. فَكَيْفَ لَا تَتَنَاوَلُهُ إِبَاحَةُ الرُّخَصِ؟ ! ثُمَّ إِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلسِّيَاقِ أَنْ تُحَدَّدَ الضَّرُورَةُ الَّتِي تُجِيزُ أَكْلَ الْمُحَرَّمِ، وَتَفْسِيرُ الْبَاغِي وَالْعَادِي بِمَا ذَكَرْنَا هُوَ الْمُحَدِّدُ لَهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ: (مَا نَبْغِي) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ((يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ)) وَفِي التَّنْزِيلِ (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) (18: 28) أَيْ: لَا تَتَجَاوَزْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَالْكَلَامُ فِي تَحْدِيدِ الضَّرُورَةِ وَتَمَامِ بَيَانِ حُكْمِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْأَكْلِ، لَا فِي السِّيَاسَةِ وَعُقُوبَةِ الْخَارِجِينَ عَلَى الدَّوْلَةِ وَالْمُؤْذِينَ لِلْأُمَّةِ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّحْدِيدُ لَازِمًا لِئَلَّا يَتَّبِعَ النَّاسُ أَهْوَاءَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الِاضْطِرَارِ إِذَا هُوَ وُكِّلَ إِلَيْهِمْ بِلَا حَدٍّ وَلَا قَيْدٍ، فَيَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ مُضْطَرٌّ وَلَيْسَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست