responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 47
ظَاهِرٌ لَا تَطْلُبُ الْبَلَاغَةُ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ الْوَحْدَةَ تُذَكِّرُ أُولَئِكَ الْكَافِرِينَ الْكَاتِمِينَ لِلْحَقِّ بِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَلْجَأً غَيْرَ اللهِ يَقِيهِمْ عُقُوبَتَهُ وَلَعْنَتَهُ. وَذِكْرُ الرَّحْمَةِ بَعْدَهَا يُرَغِّبُهُمْ فِي التَّوْبَةِ وَيَحُولُ دُونَ يَأْسِهِمْ مِنْ فَضْلِ اللهِ بَعْدَ إِيئَاسِهِمْ مِمَّنِ اتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ وَوُسَطَاءَ عِنْدَهُ، فَيُطَابِقُ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْكِتْمَانَ: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) (2: 160) إِلَخْ.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إِلَخْ، هَذِهِ آيَةٌ قُرْآنِيَّةٌ تَشْرَحُ لَنَا بَعْضَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ، إِثْبَاتًا لِمَا وَرَدَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا مِنْ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ لَهُ تَعَالَى، عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ فِي قَرْنِ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ بِدَلَائِلِهَا وَبَرَاهِينِهَا كَمَا أَلْمَعْنَا. وَهَذِهِ الْآيَاتُ أَجْنَاسٌ (الْأَوَّلُ وَالثَّانِي) مِنْهَا: خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَفِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ كَثِيرَةُ الْأَنْوَاعِ يُدْهِشُ الْمُتَأَمِّلِينَ بَعْضُ ظَوَاهِرِهَا، فَكَيْفَ حَالُ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَا اكْتَشَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ عَجَائِبِهَا، الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَعْرِفُوهُ أَعْظَمُ مِمَّا عَرَفُوهُ مِنْهَا!
تَتَأَلَّفُ هَذِهِ الْأَجْرَامُ السَّمَاوِيَّةُ مِنْ طَوَائِفَ يَبْعُدُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِمَا يُقَدَّرُ
بِالْمَلَايِينِ وَأُلُوفِ الْمَلَايِينِ مِنْ سِنِيِّ سُرْعَةِ النُّورِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهَا نِظَامٌ كَامِلٌ مُحْكَمٌ، وَلَا يُبْطِلُ نِظَامُ بَعْضِهَا نِظَامَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ لِلْمَجْمُوعِ نِظَامًا عَامًّا وَاحِدًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ إِلَهٍ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَأَقْرَبُ تِلْكَ الطَّوَائِفِ إِلَيْنَا مَا يُسَمُّونَهُ النِّظَامَ الشَّمْسِيَّ نِسْبَةً إِلَى شَمْسِنَا هَذِهِ الَّتِي تَفِيضُ أَنْوَارُهَا عَلَى أَرْضِنَا، فَتَكُونُ سَبَبًا لِلْحَيَاةِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ فِيهَا، وَالْكَوَاكِبُ التَّابِعَةُ لِهَذِهِ الشَّمْسِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمَقَادِيرِ وَالْأَبْعَادِ وَقَدِ اسْتَقَرَّ كُلٌّ مِنْهَا فِي مَدَارِهِ وَحُفِظَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ بِسُنَّةٍ إِلَهِيَّةٍ مُنْتَظِمَةٍ حَكِيمَةٍ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِالْجَاذِبِيَّةِ الْعَامَّةِ.
وَلَوْلَا هَذَا النِّظَامُ لَانْفَلَتَتْ هَذِهِ الْكَوَاكِبُ السَّابِحَةُ فِي أَفْلَاكِهَا فَصَدَمَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهَلَكَتِ الْعَوَالِمُ بِذَلِكَ، فَهَذَا النِّظَامُ آيَةٌ عَلَى الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ آيَةٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ.
هَذِهِ هِيَ السَّمَاوَاتُ نُشِيرُ إِلَى آيَاتِهَا عَنْ بُعْدٍ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (51: 20) فِي جِرْمِهَا وَمَادَّتِهَا وَشَكْلِهَا وَعَوَالِمِهَا الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جَمَادٍ وَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ، فَلِكُلٍّ مِنْهَا نِظَامٌ عَجِيبٌ وَسُنَنٌ إِلَهِيَّةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي تَكْوِينِهَا، وَتَوَالُدِ مَا يَتَوَالَدُ مِنْ أَحْيَائِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ دَقَّقْتَ النَّظَرَ فِي أَنْوَاعِ الْجَمَادَاتِ مِنَ الصُّخُورِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ، وَالْجَوَاهِرِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْخَوَاصِّ وَالْأَلْوَانِ، لَشَاهَدْتَ مِنَ النِّظَامِ فِيهَا وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ فِي اخْتِلَافِهَا وَتَنَوُّعِهَا مَا تَعْلَمُ بِهِ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى إِبْدَاعِ إِلَهٍ حَكِيمٍ رَءُوفٍ رَحِيمٍ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ.
وَأَقُولُ هُنَا: إِنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ (كَانَ) يَرَى أَنَّ فِي الْجَمَادِ حَيَاةً خَاصَّةً بِهِ دُونَ الْحَيَاةِ النَّبَاتِيَّةِ، وَلَا أَدْرِي أَقَالَهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَمْ لَا وَلَكِنَّنِي سَمِعْتُهُ مِنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَهَذَانِ جِنْسَانِ مِنْ آيَاتِهِ تَعَالَى يَشْمَلَانِ أَنْوَاعًا وَأَفْرَادًا مِنْهَا يَتَعَذَّرُ إِحْصَاؤُهَا.
الْجِنْسُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ: (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) وَهُوَ أَنْ يَجِئَ أَحَدُهُمَا فَيَذْهَبُ الْآخَرُ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 47
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست