responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 43
يَسْهُلُ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْعَقَائِدِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى أَسَاسِ الْجَدَلِ أَنْ يُجَادِلَ نَفْسَهُ وَيَغُشَّهَا بِمَا يُسَلِّيهَا بِهِ مِنَ الْأَمَانِي الَّتِي يُسَمِّيهَا إِيمَانًا، وَلَكِنَّهُ لَوْ حَاسَبَهَا فَنَاقَشَهَا الْحِسَابَ وَرَجَعَ إِلَى عَقْلِهِ وَوِجْدَانِهِ لَعَلِمَ أَنَّهُ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَنَّهُ يَعْبُدُ شَهْوَتَهُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَأَنَّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي سَرَدَهَا الْكِتَابُ سَرْدًا، وَأَحْصَاهَا عَدًّا - وَأَظْهَرُهَا بَذْلُ الْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَنَشْرِ الدَّعْوَةِ وَتَأْيِيدِ الْحَقِّ - كُلُّهَا بَرِيئَةٌ مِنْهُ، وَأَنَّ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ كُلَّهَا رَاسِخَةٌ فِيهِ. فَلْيُحَاسِبِ امْرُؤٌ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَعَلَّهُ يَتُوبُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ اسْتِحْقَاقُ اللَّعْنِ لِلْكَافِرِينَ بِكِتْمَانِ الْحَقِّ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُمُ الَّذِينَ يَتُوبُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بَيَانَ أُولَئِكَ اللَّاعِنِينَ
وَشَرْطَ اسْتِحْقَاقِ اللَّعْنِ الْأَبَدِيِّ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْخُلُودُ فِي دَارِ الْهَوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَمُوتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ فَأُولَئِكَ تُسَجَّلُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ وَيَخْلُدُونَ فِيهَا لَا تَنْفَعُهُمْ مَعَهَا شَفَاعَةٌ وَلَا وَسِيلَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ كَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسُوا مِنَ النَّاسِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْعُمُومُ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَهْلِ دِينِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَمَذَاهِبِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَهُمْ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ أَهْلَ مَذَاهِبِهِمْ إِذَا كَانُوا لَا يَلْعَنُونَ الْأَشْخَاصَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُمْ مِنْهُمْ، فَهُمْ إِذَا شُرِحَتْ لَهُمْ أَحْوَالُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى غَيِّهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ سَعَادَتِهِمْ، وَحَالُ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ مَعَهُمْ، وَذُكِرَ لَهُمْ كَيْفَ يُشَاقُّونَهُ وَيُعَانِدُونَهُ، فَهُمْ يَلْعَنُونَهُمْ أَوْ يَرَوْنَهُمْ مَحَلًّا لِلَّعْنَةِ وَمُسْتَحِقِّينَ لِأَشَدِّ الْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الْمُصِرِّينَ عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى الْمَوْتِ هُمْ أَهْلٌ لِلَّعْنَةِ وَمَوْضُوعٌ لَهَا مِنَ اللهِ وَمِنْ عَالَمِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيِّينَ، وَمِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ مِنَ النَّاسِ إِذَا ذُكِرَ لَهُ الْكُفْرُ وَأَهْلُهُ وَعِنَادُهُمْ وَاسْتِكْبَارُهُمْ عَنِ الْحَقِّ لَعَنَهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي حَمْلِ صِفَاتِ الْكُفْرِ عَلَى أَصْحَابِهَا.
وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِ لَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ مَعَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ وَحْدَهُ كَافِيَةٌ فِي خِزْيِهِمْ وَنَكَالِهِمْ، هِيَ بَيَانُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمْ مِنَ الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ يَرَاهُمْ مَحَلًّا لِلَعْنَةِ اللهِ وَمَقْتِهِ، فَلَا يُرْجَى أَنْ يَرْأَفَ بِهِمْ رَائِفٌ، وَلَا أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ شَافِعٌ ; لِأَنَّ اللَّعْنَةَ صُبَّتْ عَلَيْهِمْ بِاسْتِحْقَاقٍ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ يَعْقِلُ وَيَعْلَمُ، وَمَنْ حَرَمَهُ سُوءُ سَعْيِهِ مِنْ رَحْمَةِ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ فَمَاذَا يَرْجُو مِنْ سِوَاهُ؟
(خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) أَيْ: مَاكِثِينَ فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ; أَيْ: يُمْهَلُونَ مِنَ (الْإِنْظَارِ) لِيَتُوبُوا وَيُصْلِحُوا، أَوْ لَا يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ نَظَرَ مَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ، قَالُوا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست