responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 381
فِي تَغَيُّرِ مَا بِهَا مِنْ سِيَادَةٍ أَوْ عُبُودِيَّةٍ وَثَرْوَةٍ أَوْ فَقْرٍ، وَقُوَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، وَهِيَ هِيَ الَّتِي تُمَكِّنُ الظَّالِمَ مِنْ إِهْلَاكِهَا. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَنَا الِاعْتِذَارُ بِمَشِيئَةِ اللهِ عَنِ التَّقْصِيرِ فِي إِصْلَاحِ شُئُونِنَا اتِّكَالًا عَلَى مُلُوكِنَا ; فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ تَعَالَى لَا تَتَعَلَّقُ بِإِبْطَالِ سُنَّتِهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ فِي نِظَامِ خَلْقِهِ، وَلَا دَلِيلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الْوُجُودِ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُلُوكِ فِي الْأُمَمِ هُوَ بِقُوَّةٍ إِلَهِيَّةٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةِ، بَلْ شَرِيعَةُ اللهِ تَعَالَى وَخَلِيقَتُهُ شَاهِدَتَانِ بِضِدِّ ذَلِكَ (فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ) (59: 2) .
ثُمَّ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالتَّذْكِيرِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَآثَارِهَا; أَيْ: وَاسْعُ التَّصَرُّفِ وَالْقُدْرَةِ، إِذَا شَاءَ أَمْرًا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ فِي نِظَامِ الْخَلِيقَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لَا مَحَالَةَ، عَلِيمٌ بِوُجُوهِ الْحِكْمَةِ فَلَا يَضَعُ سُنَنَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُلْكِ عَبَثًا، وَلَا يَتْرُكُ أَمْرَ الْعِبَادِ فِي اجْتِمَاعِهِمْ سُدًى، بَلْ وَضَعَ لَهُمْ مِنَ السُّنَنِ الْحَكِيمَةِ مَا هُوَ مُنْتَهَى الْإِبْدَاعِ وَالْإِتْقَانِ، وَلَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ.
هَذَا وَقَدْ جَرَى الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ وُجُوهَ الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي جَعْلِ طَالُوتَ مَلِكًا أَرْبَعَةٌ، وَأَحْسَنُ عِبَارَةٍ لَهُمْ عَلَى اخْتِصَارِهَا عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ: لَمَّا اسْتَبْعَدُوا تَمَلُّكَهُ لِفَقْرِهِ وَسُقُوطِ نَسَبِهِ رُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ:
(أَوَّلًا) بِأَنَّ الْعُمْدَةَ فِيهِ اصْطِفَاءُ اللهِ تَعَالَى، وَقَدِ اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصَالِحِ مِنْكُمْ.
(ثَانِيًا) بِأَنَّ الشُّرُوطَ فِيهِ؛ وُفُورُ الْعِلْمِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ السِّيَاسِيَّةِ، وَجَسَامَةِ الْبَدَنِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ خَطَرًا فِي الْقُلُوبِ، وَأَقْوَى عَلَى مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ وَمُكَابَدَةِ الْحُرُوبِ لَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَقَدْ زَادَهُ اللهُ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ الْقَائِمُ يَمُدُّ يَدَهُ فَيَنَالُ رَأْسَهُ.
(ثَالِثًا) بِأَنَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْمُلْكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ مَنْ يَشَاءُ.
(رَابِعًا) بِأَنَّهُ (وَاسِعٌ) الْفَضْلَ يُوَسِّعُ الْفَضْلَ عَلَى الْفَقِيرِ وَيُغْنِيهِ (عَلِيمٌ) بِمَنْ يَلِيقُ بِالْمُلْكِ وَغَيْرِهِ اهـ. فَجَعَلُوا الْأَوَّلَ بِمَعْنَى الثَّالِثِ
وَجَعَلُوا مَزِيَّةَ الْعَقْلِ وَمَزِيَّةَ الْبَدَنِ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُمَا شَيْئَانِ، وَأَجْمَلُوا الْقَوْلَ فِي الْمَشِيئَةِ حَتَّى إِنَّ الْمُتَوَهِّمَ لَيَتَوَهَّمُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِعِنَايَةٍ غَيْبِيَّةٍ لَا بِسُنَّةٍ إِلَهِيَّةٍ، وَجَعَلُوا كَوْنَهُ تَعَالَى وَاسِعًا عَلِيمًا وَجْهًا خَاصًّا. وَلَا أَحْفَظُ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ شَيْئًا، وَرَأْيُهُ فِي مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى هُنَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَقَدْ فَسَّرَ ((الْوَاسِعَ)) بِوَاسِعِ التَّصَرُّفِ وَالْقُدْرَةِ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِهِمْ وَاسْعُ الْفَضْلِ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ (عَلِيمٌ) عَلِيمٌ بِوُجُوهِ الِاخْتِيَارِ وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْمُلْكَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 381
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست