responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 34
قَبْلَ وُقُوعِهِ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَاسْتِعْدَادُهَا لِتَحَمُّلِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ ((مَا مَنْ دُهِّيَ بِالْأَمْرِ كَالْمُعْتَدِّ)) هَذَا إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْخَبَرِ إِرْشَادٌ وَتَعْلِيمٌ، فَكَيْفَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ هِدَايَةُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ؟
ذَكَرَ الْبَلَاءَ وَبَشَّرَ الصَّابِرِينَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْوَصْفَ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْبِشَارَةَ، وَخَتَمَ الْقَوْلَ بِبَيَانِ الْجَزَاءِ الْمُبَشَّرِ بِهِ بِالْإِجْمَالِ فَقَالَ: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) أَيْ أُولَئِكَ الصَّابِرُونَ الْمُحْتَسِبُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمِ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ مَا يَحُولُ دُونَ تَبْرِيحِ الْمَصَائِبِ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ صَلَوَاتِهِ الْعَامَّةِ وَرَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ، فَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَالْمُرَادُ بِهَا أَنْوَاعُ التَّكْرِيمِ وَالنَّجَاحِ، وَإِعْلَاءُ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّهَا الْمَغْفِرَةُ لِذُنُوبِهِمْ)) وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْمُصِيبَةِ مِنْ حُسْنِ الْعَزَاءِ، وَبَرَدِ الرِّضَى وَالتَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ، فَهِيَ رَحْمَةٌ خَاصَّةٌ يَحْسُدُ الْمُلْحِدُونَ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الْمَحْرُومَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ فِي الْمُصِيبَةِ تَضِيقُ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِمَا رَحُبَتْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَبْخَعُ نَفْسَهُ إِذَا لَمْ يَعُدْ لَهُ رَجَاءٌ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي يَعْرِفُهَا وَيَنْتَحِرُ بِيَدِهِ وَيَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ.
(وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) أَيْ: إِلَى مَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ فِي أَوْقَاتِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ إِذْ لَا يَسْتَحْوِذُ الْجَزَعُ عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَلَا يَذْهَبُ الْبَلَاءُ بِالْأَمَلِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُونَ هُمُ الْفَائِزِينَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالرَّاحَةِ فِيهَا، الْمُسْتَعِدِّينَ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ بِعُلُوِّ النَّفْسِ وَتَزْكِيَتِهَا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، دُونَ أَهْلِ الْجَزَعِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْإِسْمِيَّةُ الْمُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ الْمُؤَكَّدَةُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ.
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) .
عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ جَاءَتْ فِي مَعْرِضِ الْكَلَامِ عَنْ مُعَانَدَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ التَّحْوِيلُ شُبْهَةً مِنْ شُبُهَاتِهِمْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ لَوَازِمِ حِكَمِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ تَوْجِيهُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ - كَمَا يُوَجِّهُونَ إِلَيْهِ وُجُوهَهُمْ - لِأَجْلِ تَطْهِيرِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْآثَامِ، كَمَا عَهِدَ اللهُ إِلَى أَبَوَيْهِمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَإِلَّا كَانُوا رَاضِينَ بِاسْتِقْبَالِ الْأَصْنَامِ، وَإِنَّ فِي طَيِّ (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) (2: 150) بِشَارَةٌ بِهَذَا الِاسْتِيلَاءِ، مُفِيدَةٌ لِلْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ، وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ هَذِهِ الْبِشَارَةِ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا هِيَ وَسَائِرِ مَقَاصِدِ الدِّينِ مِنَ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وَأَشْعَرَهُمْ بِمَا يُلَاقُونَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 34
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست