responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 30
فَيُعْوِزُهُمُ الصَّبْرُ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْخُطْوَةِ الثَّانِيَةِ. وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَلَكَةِ فَهُوَ خَائِنٌ لِنَفْسِهِ جَاهِلٌ بِمَا أَوْدَعَ اللهُ فِيهِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ، فَهُوَ بِاحْتِقَارِهِ لِنَفْسِهِ مُحْتَقِرٌ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَهُوَ بِهَذَا الْإِحْسَاسِ بِالْعَجْزِ قَدْ سَجَّلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحِرْمَانَ مِنْ جَمِيعِ الْفَضَائِلِ.
وَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى تَأْيِيدِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِأَعْبَائِهِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ فَوَجْهُهَا مَحْجُوبٌ لَا يَكَادُ يَنْكَشِفُ إِلَّا لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ، وَوَصَفَ ذَوِيهَا بِفُضْلَى الصِّفَاتِ وَهِيَ التَّوَجُّهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَمُنَاجَاتُهُ، وَحُضُورُ الْقَلْبِ مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَاسْتِغْرَاقُهُ فِي الشُّعُورِ بِهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ. تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (2: 45) وَقَالَ فِيهَا: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (29: 45) وَلَيْسَتْ هِيَ الصُّورَةُ الْمَعْهُودَةُ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ بِاللِّسَانِ خَاصَّةً، الَّتِي يَسْهُلُ عَلَى كُلِّ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ أَنْ يَتَعَوَّدَهَا، وَالَّتِي نُشَاهِدُ مِنَ الْمُعْتَادِينَ لَهَا الْإِصْرَارَ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَاجْتِرَاحِ الْآثَامِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَيُّ قِيمَةٍ لِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ فِي نَفْسِهَا حَتَّى يَصِفَهَا رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ بِالْكِبَرِ إِلَّا عَلَى
الْخَاشِعِينَ، إِنَّمَا جُعِلَتْ تِلْكَ الْحَرَكَاتُ وَالْأَقْوَالُ صُورَةً لِلصَّلَاةِ لِتَكُونَ وَسِيلَةً لِتَذْكِيرِ الْغَافِلِينَ، وَتَنْبِيهِ الذَّاهِلِينَ، وَدَافِعًا يَدْفَعُ الْمُصَلِّي إِلَى ذَلِكَ التَّوَجُّهِ الْمَقْصُودِ الَّذِي يَمْلَأُ الْقَلْبَ بِعَظَمَةِ اللهِ وَسُلْطَانِهِ حَتَّى يَسْتَسْهِلَ فِي سَبِيلِهِ كُلَّ صَعْبٍ، وَيَسْتَخِفَّ بِكُلِّ كَرْبٍ، وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ احْتِمَالُ كُلِّ بَلَاءٍ، وَمُقَاوَمَةُ كُلِّ عَنَاءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ شَيْئًا يَعْتَرِضُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا وَيَرَى سَيِّدَهُ وَمَوْلَاهُ أَكْبَرَ مِنْهُ، فَهُوَ لَا يَزَالُ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ كَبِيرٌ، إِلَّا مَا كَانَ مُرْضِيًا لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْكَوَارِثِ.
ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وَلَمْ يَقُلْ مَعَكُمْ لِيُفِيدَ أَنَّ مَعُونَتَهُ إِنَّمَا تَمُدُّهُمْ إِذَا صَارَ الصَّبْرُ وَصْفًا لَازِمًا لَهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَعِيَّةَ هُنَا مَعِيَّةُ الْمَعُونَةِ، فَالصَّابِرُونَ مَوْعُودُونَ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِالْمَعُونَةِ وَالظَّفَرِ، وَمَنْ كَانَ اللهُ مُعِينَهُ وَنَاصِرَهُ فَلَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الْعَظِيمَةَ لَا تَتِمُّ وَلَا يَنْجَحُ صَاحِبُهَا إِلَّا بِالثَّبَاتِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ فَهُوَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ، وَاللهُ مَعَهُ بِمَا جَعَلَ هَذَا الصَّبْرَ سَبَبًا لِلظَّفَرِ ; لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ الثَّبَاتَ وَالِاسْتِمْرَارَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّجَاحِ، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ فَلَيْسَ اللهُ مَعَهُ ; لِأَنَّهُ تَنَكَّبَ سُنَّتَهُ، وَلَنْ يَثْبُتَ فَيَبْلُغَ غَايَتَهُ.
عَلِمَ اللهُ تَعَالَى مَا سَيُلَاقِيهِ الْمُؤْمِنُونَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى دِينِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَإِقَامَتِهِ مِنَ الْمُقَاوَمَاتِ وَتَثْبِيطِ الْهِمَمِ، وَمَا يَقُولُهُ لَهُمُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَمَا يَقُولُ الضُّعَفَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ: كَيْفَ تُبْذَلُ هَذِهِ النُّفُوسُ وَتُسْتَهْدَفُ لِلْقَتْلِ بِمُخَالَفَةِ الْأُمَمِ كُلِّهَا؟ وَمَا الْغَايَةُ مِنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهَ لِأَجْلِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 30
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست