responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 214
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
تَقَدَّمَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ آمَنُوا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) ظَاهِرٌ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ حَالِهِمْ، وَأَنَّ الْآيَاتِ وَالنُّذُرَ لَا تُرْجِعُهُمْ عَنْ ضَلَالِهِمْ، فَإِذَا اسْتَمَرُّوا عَلَى الْجُحُودِ وَالْخِصَامِ، وَأَعْرَضُوا عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى الدُّخُولِ فِي السَّلَامِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدْعًا مِنْهُمْ، وَلَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ بَيِّنٍ لَهُمْ، فَكَمْ جَاءَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَكَمْ بَلَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَلَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَلَا صَدَّهُمْ عَنْ خِلَافِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ، بَلْ بَدَّلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْوَحْدَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الشُّكْرِ (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) بِالْبَيَانِ، وَأُبْرِهَتْ بِالْبُرْهَانِ، بِجَعْلِهَا مُثَارًا لِلتَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ، وَجَعْلِ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ شِيَعًا وَأَحْزَابًا وَمَذَاهِبَ وَفِرَقًا بِسُوءِ التَّأْوِيلِ وَعَصَبِيَّاتِ الرِّيَاسَةِ وَالسِّيَاسَةِ (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لِمَنْ تَنَكَّبَ سُنَّتَهُ وَخَالَفَ شِرْعَتَهُ - وَهَؤُلَاءِ الْمُبَدِّلُونَ مِنْهُمْ - فَالْعِقَابُ الشَّدِيدُ نَازِلٌ لَا مَحَالَةَ بِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنَّ اللهَ يُعَاقِبُهُمْ; لِيُشْعِرَنَا بِأَنَّ هَذَا مِنْ سُنَنِهِ الْعَامَّةِ فَحَذَّرَنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الْمُخَالِفِينِ الْمُبَدِّلِينِ، تَوَهُّمًا أَنَّ الْعِقَابَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْغَابِرِينَ، كَمَا يَلْغُو كَثِيرٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وَالتَّقْيِيدُ بِمَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ وَالْآيَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَالدَّلِيلِ لَا يُخَاطَبُ بِهَذَا الْوَعِيدِ، فَحَسُبُهُ حِرْمَانُهُ مِنْ هِدَايَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَكَيْفَ يُطَالَبُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُ، وَيُجْعَلُ مَعَ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ مِنْ بَعْدِ ظُهُورِهِ لَهُ فِي قَرْنٍ؟ !
وَفِي هَذِهِ مِنَ الْهِدَايَةِ أَيْضًا بَيَانُ أَمْرٍ عَظِيمٍ يَغْفُلُ عَنْهُ الْعُلَمَاءُ وَالْأَذْكِيَاءُ، وَهُوَ أَنَّ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ إِنَّمَا تُفِيدُ النُّفُوسَ الْخَيِّرَةَ الْمُسْتَعِدَّةَ لِقَبُولِ الْحَقِّ الْمُتَوَجِّهَةَ إِلَى
طَلَبِهِ، وَأَمَّا النُّفُوسُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست