responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 193
فَهُوَ يُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ عَمَلَهُ بِلَا إِبْطَاءٍ، وَكَمَا يَكُونُ الْجَزَاءُ سَرِيعًا فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ أَثَرَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَظْهَرُ لِلْمَرْءِ عَقِبَ الْمَوْتِ وَهُوَ أَوَّلُ قَدَمٍ يَضَعُهَا فِي بَابِ عَالَمِ الْآخِرَةِ.
وَهَذَا أَحْسَنُ بَيَانٍ لِمَا قَالُوهُ فِي تَفْسِيرِ (سَرِيعُ الْحِسَابِ) مِنْ أَنَّهُ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حِسَابُ الْآخِرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ أَقْرَبُهَا إِلَى التَّصَوُّرِ أَنَّ سُرْعَةَ الْحِسَابِ عِبَارَةٌ عَنْ إِطْلَاعِ كُلِّ عَامِلٍ عَلَى عَمَلِهِ أَوْ إِعْلَامِهِ بِمَا لَهُ مِمَّا كَسَبَ، وَمَا عَلَيْهِ مِمَّا اكْتَسَبَ وَذَلِكَ يَتِمُّ فِي لَحْظَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ فِي مِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَوَرَدَ: فِي قَدْرِ فَوَاقِ النَّاقَةِ، وَوَرَدَ: بِمِقْدَارِ لَمْحَةِ الْبَصَرِ.
أَقُولُ: هَذَا مَا كُنْتُ كَتَبْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ شَيْخُنَا (رَحِمَهُ اللهُ)
مِنْ كَوْنِ النَّصِيبِ فِيهَا شَامِلًا لِجَزَاءِ هَذَا الْفَرِيقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعًا، وَطُبِعَ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِمِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ (مِمَّا كَسَبُوا) وَالْحَالُ أَنَّ جَزَاءَ الْآخِرَةِ يُضَاعَفُ، وَأَنَّ الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي لَا يَنَالُ النَّاسُ فِيهَا كُلَّ مَا يَطْلُبُونَ بِكَسْبِهِمْ وَلَا دُعَائِهِمْ وِفَاقًا لِاسْتِشْهَادِي عَلَيْهِ آنِفًا بِآيَاتِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (17: 18) فَرَجَحَ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّصِيبِ مِنَ الْكَسْبِ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا، وَأَشَارَ إِلَى جَزَاءِ الْآخِرَةِ بِسُرْعَةِ الْحِسَابِ الَّذِي يَكُونُ الْجَزَاءُ فِي أَثَرِهِ، وَهُوَ مَا حَكَيْتُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِذِكْرِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَكَانُوا لَا يَذْكُرُونَهُ هُنَاكَ، وَبِذِكْرِهِ عِنْدَ تَمَامِ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى حَيْثُ كَانُوا يَذْكُرُونَ مَفَاخِرَ آبَائِهِمْ: (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) حَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْحَافِظِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ: ((إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: ((الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ - أَيْ مُزْدَلِفَةَ - قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ، أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)) وَأَرْدَفَ رَجُلًا يُنَادِي بِهِنَّ: أَيْ أَرْكَبَ رَجُلًا وَرَاءَهُ يُنَادِي بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِيَعْرِفَ النَّاسُ الْحُكْمَ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَنْفِرُ بِهَا الْحَاجُّ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ لِلْمَبِيتِ فِيهَا وَهِيَ اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَأَنَّ أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الَّتِي يَرْمُونَ فِيهَا الْجِمَارَ وَيَنْحَرُونَ فِيهَا هَدْيَهُمْ وَضَحَايَاهُمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنَ مِنْهَا جَازَ لَهُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الثَّالِثِ جَازَ لَهُ، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ فِي الْعِبَادَةِ. فَالْحَدِيثُ مُفَسِّرٌ لِلْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ.
وَإِنَّمَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَمْيِ الْجِمَارِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ
الَّتِي كَانُوا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست