responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 163
قَالَ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) أَيْ: مَوَاقِيتُ لَهُمْ فِي صِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَفِي نَحْوِ عِدَّةِ النِّسَاءِ وَآجَالِ الْعُقُودِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ ; فَإِنَّ التَّوْقِيتَ بِهَا يَسْهُلُ عَلَى الْعَالِمِ بِالْحِسَابِ وَالْجَاهِلِ بِهِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ، فَهِيَ مَوَاقِيتُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ فَإِنَّ شُهُورَهَا تُعْرَفُ بِالْحِسَابِ فَهِيَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلْحَاسِبِينِ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ضَبْطِهَا إِلَّا بَعْدَ ارْتِقَاءِ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَأَلَ النَّبِيَّ عَنِ الْأَهِلَّةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ سَأَلَ: لِمَ خُلِقَتْ؟ وَالرِّوَايَتَانِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ عَسَاكِرٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ((أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ بْنَ غُنَيْمَةَ قَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَعْظُمَ وَيَسْتَوِيَ وَيَسْتَدِيرَ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقَضُّ وَيَدِقُّ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ لَا يَكُونُ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ؟ فَنَزَلَتْ)) وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا السَّبَبُ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْبَلَاغَةِ يَذْكُرُونَهُ فِي مُطَابَقَةِ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ وَعَدَمِهَا، وَزَعَمُوا أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِينَ بَيَانُ السَّبَبِ الطَّبِيعِيِّ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَنَّ الْجَوَابَ إِنَّمَا جَاءَ بِبَيَانَ الْحِكْمَةِ دُونَ الْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعُ الدِّينِ، جَرْيًا عَلَى مَا يُسَمَّى فِي الْبَلَاغَةِ أُسْلُوبَ الْحَكِيمِ أَوِ الْأُسْلُوبَ الْحَكِيمَ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: كَأَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنِ الْحِكْمَةِ وَالْفَائِدَةِ فِي اخْتِلَافِ الْأَهِلَّةِ إِنْ لَمْ تَكُونُوا تَعْرِفُونَهَا، وَإِلَّا فَعَلَيْكُمُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَعَدَمُ مُطَالَبَةِ الشَّارِعِ بِمَا لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ. فَفِي الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ سُؤَالَهُمْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ تَوَجَّهَ هَذَا السُّؤَالُ مِمَّنْ يَتَعَلَّمُ عِلْمَ الْفَلَكِ إِلَى أُسْتَاذِهِ فِيهِ لَمَا عُدَّ قَبِيحًا وَلَا قِيلَ: إِنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَكِنَّهُ مُوَجَّهٌ مِنْ أُمِّيٍّ إِلَى نَبِيٍّ لَا إِلَى فَلَكِيٍّ، فَهُوَ قَبِيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا لِذَاتِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ النَّظَرُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ وَأَسْبَابِ مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ مَذْمُومًا، وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ أَرْشَدَنَا اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَحَثَّنَا فِي كِتَابِهِ عَلَيْهِ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (50: 6) وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ.
وَأَقُولُ: إِنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَةٌ، بَلْ قَالُوا: إِنَّ رِوَايَةَ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ هِيَ أَوْهَى الطُّرُقِ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي طَلَبِ بَيَانِ الْعِلَّةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى طَلَبِ الْحِكْمَةِ وَالْفَائِدَةِ - وَلَوْ مَعَ الْعِلَّةِ - غَيْرُ بَعِيدٍ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْجَوَابَ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ. وَقَدْ بَيَّنَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِمُنَاسَبَةِ الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِي السُّؤَالِ وَأَنَّهُ عَنِ الْعِلَّةِ مَا بُعِثَ الْأَنْبِيَاءُ لِبَيَانِهِ فَهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْهُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَقَالَ مَا مِثَالُهُ:
الْعُلُومُ الَّتِي نَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي حَيَاتِنَا عَلَى أَقْسَامٍ: -
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا لَا نَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى أُسْتَاذٍ كَالْمَحْسُوسَاتِ وَالْوِجْدَانَاتِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا نَجِدُ لَهُ أُسْتَاذًا ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا مَطْمَعَ لِلْبَشَرِ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ كَيْفِيَّةُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 163
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست