responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 25
تِلْكَ النِّعْمَةِ، كَثِيرُ الْكُفْرَانِ لِغَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَزَالُ يَتَمَتَّعُ بِهَا، فَضْلًا عَمَّا سَلَفَ مِنْهَا، فَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْيَأْسِ مِمَّا نُزِعَ مِنْهُ، وَالْكُفْرِ بِمَا بَقِيَ لَهُ لِحِرْمَانِهِ مِنْ فَضِيلَتَيِ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) النَّعْمَاءُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ مِنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ إِنْعَامًا - كَالنِّعْمَةِ بِالْكَسْرِ وَالنُّعْمَى بِالضَّمِّ - وَهِيَ مَا يُقَابَلُ بِالضَّرَّاءِ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي يُقَابَلُ بِهِ النَّفْعُ، وَلَمْ تَرِدِ النَّعْمَاءُ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذِهِ الْإِذَاقَةُ أَخَصُّ
مِمَّا قَبْلَهَا، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ كَشْفَ الضَّرَّاءِ السَّابِقَةِ وَإِحْلَالَ مَا هُوَ ضِدُّهَا مَحَلَّهَا، كَالشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ وَزِيَادَةِ الْعَافِيَةِ وَالْقُوَّةِ السَّابِغَةِ، وَالْمَخْرَجِ مِنَ الْعُسْرِ وَالْفَقْرِ، إِلَى سَعَةِ الْغِنَى وَالْيُسْرِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْخَوْفِ وَالذُّلِّ، إِلَى بُحْبُوحَةِ الْمَنَعَةِ وَالْعِزِّ. يَقُولُ تَعَالَى وَلَئِنْ مَنَحْنَا هَذَا الْإِنْسَانَ الْيَئُوسَ الْكَفُورَ: نَعْمَاءَ، أَذَقْنَاهُ لَذَّتَهَا وَنِعْمَتَهَا، بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بِاقْتِرَافِهِ لِأَسْبَابِهَا، إِثْرَ كَشْفِهَا وَإِزَالَتِهَا (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) أَيْ ذَهَبَ مَا كَانَ يَسُوءُنِي مِنَ الْمَصَائِبِ وَالضَّرَّاءِ فَلَنْ تَعُودَ، فَمَا هِيَ إِلَّا سَحَابَةُ صَيْفٍ تَقَشَّعَتْ فَعَلَيَّ أَنْ أَنْسَاهَا بِالتَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) أَيْ إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَشَدِيدُ الْفَرَحِ وَالْمَرَحِ الَّذِي يُهَيِّجُهُ الْبَطَرُ بِالنِّعْمَةِ، وَمُبَالِغٌ بِالْفَخْرِ وَالتَّعَالِي عَلَى النَّاسِ وَالِاحْتِقَارِ لِمَنْ دُونَهُ فِيهَا، فَهُوَ لَا يُقَابِلُهَا بِشُكْرِ اللهِ عَلَيْهَا.
رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَقِيلَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحَالِهِمَا، وَهِيَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ضِمْنِ السُّورَةِ لِبَيَانِ حَالَةِ النَّاسِ الْعَامَّةِ، وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْهَا قَوْلَهُ - تَعَالَى -:
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْإِنْسَانَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ حَالَيْهِ فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلَهُ: الْكُفْرِ بِأَنْعُمِ اللهِ وَالْيَأْسِ مِنْ رَحْمَتِهِ عِنْدَ زَوَالِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَفَرَحِ الْبَطَرِ وَعَظَمَةِ الْفَخْرِ بِهَا عِنْدَ إِقْبَالِهَا، يَقُولُ: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الضَّرَّاءِ إِيمَانًا بِاللهِ وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ عِنْدَهُ (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عِنْدَ كَشْفِهَا وَتَبْدِيلِ النَّعْمَاءِ بِهَا، مِنْ شُكْرِهِ - تَعَالَى - بِاسْتِعْمَالِ النِّعْمَةِ فِيمَا يُرْضِيهِ - تَعَالَى - مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) وَاسِعَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ تَمْحُو مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَا عَلَقَ بِهَا مِنْ ذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا وُفِّقُوا لَهُ مِنْ بِرٍّ وَتَشْمِيرٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بَارًّا لَا يَسْلَمُ فِي الضَّرَّاءِ وَالْمَصَائِبِ مِنْ ضِيقِ صَدْرٍ قَدْ يُنَافِي كَمَالَ الرِّضَى أَوْ يُلَابِسُ بَعْضَ الْوِزْرِ، وَفِي حَالِ النَّعْمَاءِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الزَّهْوِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الشُّكْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُغْفَرُ لَهُ بِصَبْرِهِ وَشُكْرِهِ وَإِنَابَتِهِ إِلَى رَبِّهِ.
وَيُنَاسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ يُونُسَ: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرّ
ُ
دَعَانَا) (10: 12) إِلَخْ وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) (10: 12) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ (23) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُنَّ مَعَ تَفْسِيرِ: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا 10: 58

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 25
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست