responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 216
وَكَانَا أَصْغَرَ أَوْلَادِهِ، فَقَدْ سُئِلَ وَالِدٌ بَلِيغٌ: أَيُّ وَلَدِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: صَغِيرُهُمْ حَتَّى يَكْبُرَ، وَغَائِبُهُمْ حَتَّى يَحْضُرَ، وَمَرِيضُهُمْ حَتَّى يُشْفَى، وَفَقِيرُهُمْ حَتَّى يُغْنَى (وَأَشُكُّ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ) .
وَمِنْ فَوَائِدِ الْقِصَّةِ: وُجُوبُ عِنَايَةِ الْوَالِدَيْنِ بِمُدَارَاةِ الْأَوْلَادِ وَتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْعَدْلِ، وَاتِّقَاءِ وُقُوعِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهُ اجْتِنَابُ تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا يَعُدُّهُ الْمَفْضُولُ إِهَانَةً لَهُ وَمُحَابَاةً لِأَخِيهِ بِالْهَوَى، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا، وَمِنْهُ سُلُوكُ سَبِيلِ الْحِكْمَةِ فِي تَفْضِيلِ مَنْ فَضَّلَ اللهُ - تَعَالَى - بِالْمَوَاهِبِ الْفِطْرِيَّةِ كَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّقْوَى وَالْعِلْمِ وَالذَّكَاءِ. وَمَا كَانَ يَعْقُوبُ بِالَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا، وَمَا نَهَى يُوسُفَ عَنْ قَصِّ رُؤْيَاهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ عِلْمِهِ بِمَا يَجِبُ فِيهِ. وَلَكِنْ مَا يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ بِغَرِيزَتِهِ وَقَلْبِهِ وَرُوحِهِ؟ أَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُولَ دُونَ سُلْطَانِهَا عَلَى جَوَارِحِهِ؟ كَلَّا.
دَلَائِلُ الْعِشْقِ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... كَحَامِلِ الْمِسْكِ لَا يَخْلُو مِنَ الْعَبَقِ
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) أَيِ اقْتُلُوهُ قَتْلًا لَا مَطْمَعَ بَعْدَهُ وَلَا أَمَلَ فِي لِقَائِهِ، أَوِ انْبُذُوهُ كَالشَّيْءِ اللُّقَا الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضٍ مَجْهُولَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَسَاكِنِنَا أَوْ عَنِ الْعُمْرَانِ، بِحَيْثُ لَا يَهْتَدِي إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى أَبِيهِ سَبِيلًا إِنْ هُوَ سَلِمَ فِيهَا مِنَ الْهَلَاكِ: (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) فَيَكُنْ كُلُّ تَوَجُّهِهِ إِلَيْكُمْ، وَكُلُّ إِقْبَالِهِ عَلَيْكُمْ، بِخُلُوِّ الدِّيَارِ مِمَّنْ يَشْغَلُهُ عَنْكُمْ أَوْ يُشَارِكُكُمْ فِي عَطْفِهِ وَحُبِّهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ فَرَائِدِ
دُرَرِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ، بِتَصْوِيرِهَا حَصْرَ الْحُبِّ وَتَوَجُّهَ الْإِقْبَالِ وَالْعَطْفِ بِصُورَةِ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لِلرَّأْيِ وَلَا لِلْإِرَادَةِ فِيهَا، لَا مِنْ ظَاهِرِ الْحِسِّ، وَلَا مِنْ وِجْدَانِ النَّفْسِ، بَعْدَ وُقُوعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَقْتَضِي إِعْرَاضَ الْوَجْهِ، وَأَعْرَاضَ الْكَرَاهَةِ وَالْمَقْتِ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ أَيْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ، أَوْ بَعْدَ قَتْلِهِ أَوْ تَغْرِيبِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ تَائِبِينَ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ، مُصْلِحِينَ لِأَعْمَالِكُمْ بِمَا يُكَفِّرُ إِثْمَهَا، وَعَدَمِ التَّصَدِّي لِمِثْلِهَا، فَيَرْضَى عَنْكُمْ أَبُوكُمْ وَيَرْضَى رَبُّكُمْ، هَكَذَا يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَدَيِّنِ مَعْصِيَةَ اللهِ - تَعَالَى - وَلَا يَزَالُ يَنْزَغُ لَهُ وَيُسَوِّلُ، وَيَعِدُ وَيُمَنِّي وَيُؤَوِّلُ، حَتَّى يُرَجِّحَ دَاعِيَ الْإِيمَانِ، أَوْ يُجِيبَ دَاعِيَ الشَّيْطَانِ، وَهَذَا الَّذِي غَلَبَ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ فَكَانَ، وَلَكِنْ بَعْدَ رَأْفَةٍ مُخَفَّفَةٍ لِحُكْمِ الِانْتِقَامِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ الَّتِي أَرَادَهَا اللهُ.
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست