responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 210
السَّمَاوِيَّةَ بِقَوْلِهِ: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) وَالسُّجُودُ: التَّطَامُنُ وَالِانْحِنَاءُ الَّذِي سَبَبُهُ الِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعْظِيمِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: سَجَدَ الْبَعِيرُ؛ إِذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِرَاكِبِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ، وَكَانَ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ فِي تَحِيَّةِ التَّعْظِيمِ فِي بِلَادِ فِلَسْطِينَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا وَاسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى انْقِيَادِ تَعَالَى - وَتَسْخِيرِهِ وَهَذَا سُجُودٌ طَبِيعِيٌّ غَيْرُ إِرَادِيٍّ، وَلَا يَكُونُ السُّجُودُ عِبَادَةً إِلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنَ السَّاجِدِ لِلتَّقْرِيبِ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانًا ذَاتِيًّا غَيْبِيًّا فَوْقَ سُلْطَانِ الْأَسْبَابِ الْمَعْهُودَةِ. وَكَانَ الْأَصْلُ فِي التَّعْبِيرِ
عَنْ سُجُودِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إِرَادَةٌ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا سَاجِدَةً لِي، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ وَالِدَهُ أَنَّهُ رَآهَا سَاجِدَةً سُجُودًا، كَأَنَّهُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ كَسُجُودِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ، فَأَعَادَ فِعْلَ ((رَأَيْتُ)) وَجَعَلَ مَفْعُولَهُ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ وَجَمَعَ صِفَةَ هَذَا السُّجُودِ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ، فَعَلِمَ أَبُوهُ أَنَّ هَذِهِ رُؤْيَا إِلْهَامٍ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعَدَّ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، الَّتِي تُثِيرُهَا فِي النَّوْمِ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ، وَلَا سِيَّمَا خَوَاطِرُ غُلَامٍ صَغِيرٍ كَيُوسُفَ يَخَافُ أَبُوهُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ يَا بُنَيَّ: تَصْغِيرٌ لِكَلِمَةِ ((ابْنٍ)) فِي نِدَاءِ الْعَطْفِ وَالتَّحَبُّبِ، وَقَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى فُلَانٍ كَقَصَّ الْقِصَّةَ مَعْنَاهُ أَخْبَرَهُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ وَالْإِحَاطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَقَدْ يَفْهَمُ مِنْهُ الْمُعَبِّرُ الْبَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ لِلرَّائِي الْقَاصِّ، أَوِ الْمَعْنَى الَّذِي تُؤَوِّلُ إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِذَا كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ كَمَا يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - قَبْلَ وَحْيِ التَّكْلِيمِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَقَدْ فَهِمَ هَذَا يَعْقُوبُ وَاعْتَقَدَ أَنَّ يُوسُفَ سَيَكُونُ نَبِيًّا عَظِيمًا ذَا ظُهُورٍ وَسُلْطَانٍ يَسُودُ بِهِ أَهْلَهُ حَتَّى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ، وَخَافَ أَنْ يَسْمَعَ إِخْوَتُهُ مَا سَمِعَهُ وَيَفْهَمُوا مَا فَهِمَهُ فَيَحْسُدُوهُ وَيَكِيدُوا لِإِهْلَاكِهِ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَيْهِمْ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا أَيْ: إِنْ تَقْصُصْهَا عَلَيْهِمْ يَحْسُدُوكَ فَيُدَبِّرُوا وَيَحْتَالُوا لِلْإِيقَاعِ بِكَ تَدْبِيرًا شَيْطَانِيًّا يُحَكِّمُونَهُ بِالتَّفْكِيرِ وَالرَّوِيَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ الْأَعْدَاءُ فِي الْمَكَايِدِ الْحَرْبِيَّةِ، يُقَالُ: كَادَهُ إِذَا وَجَّهَ إِلَيْهِ الْكَيْدَ مُبَاشَرَةً، وَكَادَ لَهُ إِذَا دَبَّرَ الْكَيْدَ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِمَضَرَّتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَوْ لِمَنْفَعَتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي تَدْبِيرِ يُوسُفَ لِإِبْقَاءِ أَخِيهِ بَعْدَهُ: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ 76 وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا، لَا تَفُوتُهُ فُرْصَةٌ لَهَا فَيُضَيِّعُهَا. هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنِفٍ لِلسَّبَبِ النَّفْسِيِّ لِهَذَا الْكَيْدِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِي النَّزْغِ بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَمَا تَعَرَّضَ لَهُ دَاعِيَةٌ مِنْ هَوَى النَّفْسِ، وَشَرِّهَا الْحَسَدُ الْغَرِيزِيُّ فِي الْإِنْسَانِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ يُوسُفُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَسُوءِ تَأْثِيرِهِ وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) 100 وَفِي قِصَّتِهِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ
أَنَّ يُوسُفَ قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ. وَمَا قَصَّهُ اللهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي رُوِيَ بِالتَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 210
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست