responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 160
وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ الْمُعَبِّرَ عَنْ تَجَارِبِ النَّاسِ، وَهُوَ
أَنَّ الْأُمَمَ تَبْقَى مَعَ الْكُفْرِ، وَلَا تَبْقَى مَعَ الظُّلْمِ، وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْآيَةِ صَحِيحَةٌ، وَيَجُوزُ إِرَادَتُهَا كُلُّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مِمَّا شَأْنُ صَاحِبِهِ أَنْ يَعْلَمَهُ وَلَا يَكُونُ مُتَعَارِضًا فِي نَفْسِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُشْتَرَكِ أَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُ مَجَازًا، وَمِنْ أَرْكَانِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ جَمْعُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ فِي اللَّفْظِ الْقَلِيلِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا وَاضِحًا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَبَعْضُهَا خَفِيًّا يُرَادُ بِهِ أَنْ يَذْهَبَ الذِّهْنُ وَالْفِكْرُ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَهَذَا مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْبُلَغَاءُ.
- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ - أَيُّهَا الرَّسُولُ الْحَرِيصُ عَلَى إِيمَانِ قَوْمِهِ، الْآسِفُ عَلَى إِعْرَاضِ أَكْثَرِهِمْ عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَاتِّبَاعِ هِدَايَتِهِ - لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً - عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ بِمُقْتَضَى الْغَرِيزَةِ وَالْفِطْرَةِ لَا رَأْيَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ، وَإِذَنْ لَمَا كَانُوا هُمْ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْخَلْقِ الْمُسَمَّى بِالْبَشَرِ وَبِنَوْعِ الْإِنْسَانِ، بَلْ لَكَانُوا فِي حَيَاتِهِمْ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالنَّحْلِ أَوِ النَّمْلِ، وَفِي حَيَاتِهِمُ الرُّوحِيَّةِ كَالْمَلَائِكَةِ مَفْطُورِينَ عَلَى اعْتِقَادِ الْحَقِّ وَطَاعَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، وَلَكِنَّهُ خَلَقَهُمْ بِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ كَاسِبِينَ لِلْعِلْمِ لَا مُلْهَمِينَ، وَعَامِلِينَ بِالِاخْتِيَارِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ عَلَى بَعْضٍ، لَا مَجْبُورِينَ وَلَا مُضْطَرِّينَ، وَجَعَلَهُمْ مُتَفَاوِتِينَ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَكَسْبِ الْعِلْمِ وَاخْتِلَافِ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ كَانُوا فِي طَوْرِ الطُّفُولَةِ النَّوْعِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ الْفَرْدِيَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ الْبَدَوِيِّ السَّاذَجِ أُمَّةً وَاحِدَةً لَا مَثَارَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ كَثُرُوا وَدَخَلُوا فِي طَوْرِ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَظَهَرَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ فَاخْتَلَفُوا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: - وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا - 10: 19 فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالتَّبَعِ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْدَادِ - وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الدِّينِ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ لِتَكْمِيلِ فِطْرَتِهِمْ وَإِزَالَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ - مِنْهُمْ فَاتَّفَقُوا عَلَى حُكْمِ كِتَابِ اللهِ فِيهِمْ، وَهُوَ الْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَوَحْدَةِ الْأُمَّةِ، إِذِ الظَّنِّيُّ لَا يُكَلَّفُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ الَّذِي لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا عَلَى مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ رُجْحَانُهُ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ وَحْدَةِ الْبَشَرِ فَاخْتِلَافِهِمْ فَبَعْثَةِ النَّبِيِّينَ وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ مَعَهُمْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ فِي
الْآيَةِ (2: 213) وَتَفْسِيرِهَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، - وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ - أَيْ وَلِذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مِنْ مَشِيئَتِهِ - تَعَالَى - فِيهِمْ، خَلَقَهُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِلِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ فِي عُلُومِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ وَآرَائِهِمْ وَشُعُورِهِمْ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ إِرَادَتِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ الدِّينُ وَالْإِيمَانُ وَالطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ، وَحِكْمَتُهُ أَنْ يَكُونُوا مَظْهَرًا لِأَسْرَارِ خَلْقِهِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ وَسُنَنِهِ فِي الْأَحْيَاءِ، وَتَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 12  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست