responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 50
وَفَهْمُهُمْ، فَيُبَيِّنُ لَهُمْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ حَتَّى لَا يَضِلَّ فِيهِ اجْتِهَادُهُمْ بِأَهْوَاءِ نُفُوسِهِمْ، وَيَتْرُكُ لَهُمْ مَجَالًا لِلِاجْتِهَادِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ، فَهُوَ لِهَذَا لَمْ يُؤَاخِذْ إِبْرَاهِيمَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ، وَكَذَلِكَ لَا يُؤَاخِذُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِوَالِدِيهِمْ وَأُولِي الْقُرْبَى مِنْهُمْ قَبْلَ هَذَا التَّبْيِينِ لِحُكْمِ اللهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ الْجُمْلَةِ: بَيَانُ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، وَفِي بَيَانِ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ عَامَّةً، مَا فَعَلُوا أَوْ تَرَكُوا. اهـ.
يَعْنِي أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِغْفَارِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْأُسَارَى، قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوهُ حَتَّى يُؤْذِنَ لَكُمْ. وَلَكِنْ مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَ قَوْمًا بِذَنْبٍ أَذْنَبُوهُ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، قَالَ: حَتَّى يَنْهَاهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ.
وَأَقُولُ: الْآيَةُ مُتَأَخِّرَةُ النُّزُولِ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَكِنَّهَا شَامِلَةٌ لِحُكْمِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ مِنَ الْأَسْرَى هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ هُنَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ شَأْنُ النُّبُوَّةِ وَالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (8: 67) فَهَذَا نَفْيٌ لِلشَّأْنِ كَنَفْيِ الِاسْتِغْفَارِ هُنَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى هُنَالِكَ بَعْدَ عِتَابِهِمُ الشَّدِيدِ: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (8: 68) فَابْنُ عَبَّاسٍ يُفَسِّرُ هَذَا الْكِتَابَ بِحُكْمِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِضَلَالِ قَوْمٍ فِي شَيْءٍ فَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ بَيَانًا وَاضِحًا تَامًّا لَا مَجَالَ مَعَهُ لِلِاجْتِهَادِ الَّذِي يَكُونُ عُذْرًا فِي الْمُخَالَفَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ وَقْتَئِذٍ أَمْ لَا. فَهَذَا حُكْمُ اللهِ تَعَالَى.
أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يَخْطُبُ أَصْحَابَهُ كُلَّ عَشِيَّةِ خَمِيسٍ ثُمَّ يَقُولُ: فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَغْدُوَ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَغْدُو لِسِوَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْمُتَعَلِّمَ شَرِيكَانِ فِي الْخَيْرِ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْخَذُوا بِمَا لَمْ يُبَيَّنْ لَكُمْ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) فَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ مَا تَتَّقُونَ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا قَاعِدَةٌ هِيَ أَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَيُكَلَّفُ الْعَمَلَ بِهَا كُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي خُوطِبَ بِهَا أَفْرَادُ الْأُمَّةِ كُلُّهُمْ، وَيُنَفِّذُهَا أَئِمَّتُهَا وَأُمَرَاؤُهَا فِيهَا، هِيَ مَا كَانَتْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ بِبَيَانٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ لَا حُجَّةَ مَعَهُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا مَنُوطٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَصٍّ ظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ حُكْمٌ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُرَادُ اللهِ مِنَ الْآيَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، كَمَا وَقَعَ عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِذْ فَهِمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (2: 219) تَحْرِيمَهُمَا فَتَرَكَ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ تَحْرِيمَهَا مَعَ الْمَيْسِرِ بَيَانًا قَطْعِيًّا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست