responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 38
صَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ، فَقَدْ ثَبَّتَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَهَدَاهُمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَفَتَحُوا الْبِلَادَ، وَأَقَامُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ فِي الْعِبَادِ، وَأَهْلَكَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ أَثَرٍ صَالِحٍ فِي الْعَالَمِينَ وَهَكَذَا كَانَ وَهَكَذَا يَكُونُ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ وَشَرُّ النِّفَاقِ وَأَضَرُّهُ نِفَاقُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ.
(وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أَيْ مَضَتْ سُنَّتُهُ فِي ارْتِبَاطِ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ بِالْأَعْمَالِ بِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا فِي أَعْمَالِهِ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَضْلًا عَنِ الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ، وَلَا أَظْلَمَ فِي النَّاسِ مِنَ الْمُنَافِقِ: كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (3: 86) .
(لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) الرِّيبَةُ: اسْمٌ مِنَ الرَّيْبِ، وَهُوَ: مَا
تَضْطَرِبُ فِيهِ النَّفْسُ، وَيَتَرَدَّدُ الْوَهْمُ وَيَسُوءُ الظَّنُّ، فَيَكُونُ صَاحِبُهُ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَحَيْرَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَثَارُهُ الشَّكَّ. قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ، مُنْكِرِينَ دَعْوَتَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ (وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (11:62) وَلِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَمْثَالٌ فِي التَّنْزِيلِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ مَثَارٌ لِلرَّيْبِ، وَمُوقِعٌ فِيهِ لَا أَنَّهُ عَيْنُهُ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ لُزُومِهِ وَإِيقَاعِهِ فِيهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُنْتُ إِذَا مَا جِئْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ ... وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الْغَدَاةَ سُفُورُهَا
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ارْتِيَابَهُمْ فِيهِ كَانَ مُنْذُ بَنَوْهُ إِلَى أَنْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدْمِهِ فَهُدِمَ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لِسُوءِ نِيَّتِهِمْ فِي بِنَائِهِ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَطَّلِعَ اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَقَاصِدِهِمُ السُّوأَى فِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنَ سَائِرِ إِخْوَانِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تَنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) (9: 64) وَذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِهَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (63: 4) (رَاجِعْ ج 10) وَأَجْدَرُ بِهِمْ أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ هَدْمِهِ أَشَدَّ ارْتِيَابًا، وَأَكْثَرَ اضْطِرَابًا، بِمَا يَحْذَرُونَ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَنْذَرَتْهُمْ هَذِهِ السُّورَةُ مِرَارًا، وَأَنْ يَسْتَمِرَّ ذَلِكَ مُلَازِمًا لَهُمْ (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ نَافِعٍ وَحَمْزَةُ (تَقَطَّعُ) بِفَتْحِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ مِنَ التَّقَطُّعِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ التَّقْطِيعِ، أَيْ إِلَّا أَنْ تُقَطِّعَ الرِّيبَةُ قُلُوبَهُمْ أَفْلَاذًا فَتُقَطَّعَ بِهَا وَتَكُونَ جُذَاذًا، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ (إِلَى) بَدَلَ (إِلَّا) وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ وَالْحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ الْمُقْتَضِي لِلتَّوْبَةِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ مُعْتَادُو الْأَخْذِ عَنْهُ: لَا يَزَالُ هَدْمُهُ سَبَبَ شَكٍّ وَنِفَاقٍ زَائِدٍ عَلَى شَكِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ لَا يَزُولُ وَسْمُهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَلَا يَضْمَحِلُّ أَثَرُهُ (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) قِطَعًا وَتَفَرَّقَ أَجْزَاءً، فَحِينَئِذٍ يَسْلُونَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست