responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 259
جَاءُوهُمْ بِهِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا، أَيْ وَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَلَا مُقْتَضَى اسْتِعْدَادِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا؛ لِأَنَّهُمْ مُرِّنُوا عَلَى الْكُفْرِ، وَاطْمَأَنُّوا بِهِ، وَصَارَتْ لَذَّاتُهُمْ وَمَصَالِحُهُمُ الْقَوْمِيَّةُ مِنَ الْجَاهِ وَالرِّيَاسَةِ وَالسِّيَاسَةِ مُقْتَرِنَةً بِأَعْمَالِهِ الْإِجْرَامِيَّةِ مِنْ ظُلْمٍ وَفِسْقٍ وَفُجُورٍ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ: تَذْيِيلٌ لِإِنْذَارِ مُشْرِكِي مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ، وَتَقْدِيرُهُ كَالَّذِي مَرَّ قَبْلَهُ فِي الْمُسْرِفِينَ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) (7: 40) وَتَفْسِيرَ: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (7: 84) مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ. م
(ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) الْخِطَابُ مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، أَيْ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ بِمَا آتَيْنَاكُمْ فِي هَذَا الدِّينِ مِنْ أَسْبَابِ الْمُلْكِ وَالْحُكْمِ وَقَدَّرْنَاهُ لَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، إِذْ كَانَ الرَّسُولُ الَّذِي بِهِ جَاءَكُمْ هُوَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَلَا يُوجَدُ بَعْدَ أُمَّتِهِ أُمَّةٌ أُخْرَى لِنَبِيٍّ آخَرَ، وَالْخَلَائِفُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ وَهُوَ مَنْ يَخْلُفُ غَيْرَهُ فِي الشَّيْءِ أَيْ يَكُونُ خَلَفَهُ فِيهِ، وَلَقَدْ كَانَ لِتِلْكَ الْأُمَمِ دُوَلٌ وَحُكْمٌ فِي الْأَرْضِ، كَمِلْكِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ، وَالْوَثَنِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَالْفَرَاعِنَةِ وَالْهُنُودِ، فَاللهُ يُبَشِّرُ قَوْمَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهَا سَتَخْلُفُهُمْ فِي الْأَرْضِ، إِذَا آمَنَتْ بِهِ وَاتَّبَعَتِ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (24: 55) الْآيَةَ، وَقَدْ عَلَّلَ هَذَا الِاسْتِخْلَافَ عِنْدَ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ بِهِ هُنَا بِقَوْلِهِ: (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أَيْ لِنَرَى وَنُشَاهِدَ أَيَّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَ فِي خِلَافَتِكُمْ، فَنُجَازِيَكُمْ بِهِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِنَا فِيمَنْ قَبْلَكُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخِلَافَةَ إِنَّمَا جَعَلَهَا لَكُمْ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْأَرْضِ وَتَطْهِيرِهَا مِنْ رِجْسِ الشِّرْكِ وَالْفِسْقِ، لَا لِمُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ بِلَذَّةِ الْمُلْكِ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ آيَاتِ الْإِذْنِ لَهُمْ بِالْقِتَالِ: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (22: 41) فَأَعْلَمَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ أَمْرَ بَقَاءِ خِلَافَتِهِمْ مَنُوطٌ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَكُونُ نَاظِرًا إِلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ لَا يَغْفُلُ عَنْهُمْ فِيهَا، حَتَّى لَا يَغْتَرُّوا بِمَا سَيَنَالُونَهُ، وَيَظُنُّوا أَنَّهُ
بَاقٍ لَهُمْ لِذَاتِهِمْ أَوْ لِنِسْبَتِهِمْ إِلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُمْ يَتَفَلَّتُونَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي الظَّالِمِينَ وَقَدْ بَيَّنَهَا لَهُمْ آنِفًا، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: (أَوْ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينِ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (7: 100) الْآيَةَ، وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا فِيهَا مَا حَذَّرَ بِهِ قَوْمَ مُوسَى عِنْدَمَا وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانِهِ بِإِرْثِ الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِهَا آبَاءَهُمْ، فِي إِثْرِ مَا شَكَوْا إِلَيْهِ مِنْ إِيذَاءِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لَهُمْ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَبَعْدَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (7: 129) .
وَلْيُرَاجِعِ الْقَارِئُ تَفْسِيرَ آيَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْجُزْءِ التَّاسِعِ، وَتَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي اسْتِخْلَافِ الْأُمَمِ الْعَامِّ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 11  صفحه : 259
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست