responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 73
الْغِلْظَةُ. فَكُلُّ شَيْءٍ غَلِيظٍ فَهُوَ ثَخِينٌ. فَقَوْلُهُ: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ مَعْنَاهُ: حَتَّى يَقْوَى وَيَشْتَدَّ وَيَغْلِبَ وَيُبَالِغَ وَيَقْهَرَ. ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ حَتَّى يُبَالِغَ فِي قَتْلِ أَعْدَائِهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُلْكَ وَالدَّوْلَةَ إِنَّمَا تَقْوَى وَتَشْتَدُّ بِالْقَتْلِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى ... حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
وَلِأَنَّ كَثْرَةَ الْقَتْلِ تُوجِبُ الرُّعْبَ وَشِدَّةَ الْمَهَابَةِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الْجُرْأَةِ وَمِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي فَلِهَذَا السَّبَبِ أَمَرَ اللهُ بِذَلِكَ اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ مِنَ الْمُجَرَّبَاتِ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا أَنَّ الْإِثْخَانَ فِي قَتْلِ الْأَعْدَاءِ فِي الْحَرْبِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، أَيِ التَّمَكُّنِ وَالْقُوَّةِ وَعَظَمَةِ السُّلْطَانِ فِيهَا، وَقَدْ يَحْصُلُ هَذَا الْإِثْخَانُ بِدُونِ ذَلِكَ أَيْضًا، يَحْصُلُ بِإِعْدَادِ كُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ مِنَ الْقُوَى الْحَرْبِيَّةِ، وَمُرَابِطَةِ الْفُرْسَانِ، وَالِاسْتِعْدَادِ التَّامِّ لِلْقِتَالِ الَّذِي يُرْهِبُ الْأَعْدَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ (8: 60) وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَقَدْ يَجْتَمِعُ السَّبَبَانِ، فَيَكْمُلُ بِهِمَا إِثْخَانُ الْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ. كَمَا أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْقَتْلِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِجَمْعِ كَلِمَةِ الْأَعْدَاءِ وَاسْتِبْسَالِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الَّتِي تُسَمَّى سُورَةَ الْقِتَالِ أَيْضًا فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (47: 4) الْآيَةَ، فَهُوَ فِي إِثْخَانِ الْقَتْلَى الَّذِي يُطْلَبُ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ بَعْدَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا الْتَقَى الْجَيْشَانِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا بَذْلُ الْجُهْدِ فِي قَتْلِ الْأَعْدَاءِ دُونَ أَخْذِهِمْ أَسْرَى لِئَلَّا يُفْضِي ذَلِكَ إِلَى ضَعْفِنَا وَرُجْحَانِهِمْ عَلَيْنَا، إِذَا كَانَ هَذَا الْقَتْلُ قَبْلَ أَنْ نُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ بِالْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ الَّتِي تُرْهِبُ أَعْدَاءَنَا، حَتَّى إِذَا أَثْخَنَّاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ جُرِحًا وَقَتْلًا، وَتَمَّ لَنَا الرُّجْحَانُ عَلَيْهِمْ فِعْلًا، رَجَّحْنَا الْأَسْرَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِشَدِّ الْوَثَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنَ الرَّحْمَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَجَعَلَ الْحَرْبَ ضَرُورَةً تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، لَا ضَرَاوَةً بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَلَا تَلَذُّذًا بِالْقَهْرِ وَالِانْتِقَامِ، وَلِذَلِكَ خَيَّرَنَا اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ بَيْنَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَإِعْتَاقِهِمْ بِفَكِّ وَثَاقِهِمْ وَإِطْلَاقِ حُرِّيَّتِهِمْ، وَإِمَّا بِفِدَاءِ أَسْرَانَا عِنْدَ قَوْمِهِمْ وَدَوْلَتِهِمْ إِنْ كَانَ لَنَا أَسْرَى عِنْدَهُمْ بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِقَتْلِهِمْ، فَقَدْ وَضَعَ الشِّدَّةَ فِي مَوْضِعِهَا وَالرَّحْمَةَ فِي مَوْضِعِهَا. وَإِذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ دَوْلَةٍ عَهْدٌ يَتَضَمَّنُ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَسْرَى وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَبَطَلَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا التَّخْيِيرِ الَّذِي يَخْتَارُ الْإِمَامُ مِنْهُ فِي غَيْرِ حَالِ الْعَهْدِ الْخَاصِّ مَعَهُمْ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَيْ: أَثْقَالَهَا، وَقِيلَ: آثَامَهَا. فَهُوَ غَايَةٌ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست