responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 480
وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْجُلَاسِ بْنِ سُوِيدٍ حَمَلُوا الْإِغْنَاءَ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قِصَّتِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَوْبِيخِ الْمُنَافِقِينَ كَافَّةٍ، وَلَاسِيَّمَا الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا، وَلَمْ يَكُنْ جُلَاسٌ مِنْهُمْ، وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِغْنَاءِ، فَيَحْمِلُ جُلَاسٌ مِنْ تَوْبِيخِهَا عِلَاوَةً عَلَى مَا يَحْمِلُهُ سَائِرُ الْمُنَافِقِينَ، وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ.
وَهَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ نَوْعِ الْبَدِيعِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَدْحَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ فِي كُرْهِ سَاسَةِ التُّرْكِ فِي الْآسِتَانَةَ لِلْعَرَبِ:
وَمَا نَقَمُوا مِنَّا بَنِي الْعُرْبِ خُلَّةً ... سِوَى أَنْ خَيَّرَ الْخَلْقِ لَمْ يَكْ أَعَجَمًا
فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ أَيْ: فَإِنْ يَتُوبُوا مِنَ النِّفَاقِ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَتَابُ خَيْرًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ فِي الْجُمْلَةِ التَّالِيَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الرُّوحِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى بَلَائِهِ وَالشُّكْرِ لِنَعْمَائِهِ، وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَمُعَاشَرَةِ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ، وَمُشَاهَدَةِ مَا حَجَبَهُ النِّفَاقُ عَنْهُمْ مِنْ أَنْوَارِهِ، وَمَعَارِفِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَمِنَ الْفَوَائِدِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ بِأُخُوَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْوُدِّ الْخَالِصِ وَالْوَفَاءِ الْكَامِلِ،
وَالْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَزَايَا التَّعَاوُنِ وَالِاتِّحَادِ، وَالْحُبِّ وَالْإِخْلَاصِ، الَّتِي قَلَّمَا تُوجَدُ أَوْ تَكْمُلُ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ - وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا مِنْ وَعْدِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَإِنْ يَتَوَلَّوْا عَمَّا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ بِالْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ، وَمُسَاوِيهِ الْمُدَنِّسَةِ لِلْأَرْوَاحِ الْمُفْسِدَةِ لِلْأَخْلَاقِ: يُعَذِّبُهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (55) وَسَيَأْتِي مَثَلُهُ قَرِيبًا، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي وَصْفِ مَا يُلَازِمُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْفَرَقِ: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَفِي مَعْنَاهُ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (63: 4) فَهُمْ فِي جَزَعٍ دَائِمٍ، وَهَمٍّ مُلَازِمٍ، وَكَذَا مَا ذَكَرَ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ جِهَادِهِمْ، وَمَا تَرَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ مِنْ حِرْمَانِهِمْ مِنْ كُلِّ وَلِيٍّ وَنَصِيرٍ فِي الْعَالَمِ، وَمَا سَيَأْتِي مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ - وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَحَسُبَكَ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ وَعِيدِهِمْ.
وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ أَيْ: وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا أَدْنَى وَلِيٍّ يَتَوَلَّاهُمْ وَيَهْتَمُّ بِشَأْنِهِمْ، وَلَا أَضْعَفُ نَصِيرٍ يَنْصُرُهُمْ وَيُدَافِعُ عَنْهُمْ ; لِأَنَّ مَنْ خَذَلَهُ اللهُ وَآذَنَهُ بِحَرْبٍ مِنْهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُخَيِّرَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا نَاحِيَةُ الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَأَبْوَابُهَا قَدْ أُغْلِقَتْ فِي وُجُوهِهِمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى حَصَرَ وِلَايَةَ الْأُخُوَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَوِلَايَةَ النَّصْرِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ فَلَنْ يَجِدُوا بَعْدَ الْآنَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَلَّاهُمْ أَوْ يَنْصُرُهُمْ بِمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست