responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 44
قَالَ الرَّاغِبُ: الثَّقْفُ الْحِذْقُ فِي إِدْرَاكِ الشَّيْءِ وَفِعْلِهِ، وَمِنْهُ اسْتُعِيرَ الْمُثَاقَفَةُ وَرُمْحٌ مُثَقَّفٌ وَمَا يُثَقَّفُ بِهِ الثَّقَّافُ. . . (قَالَ) : ثُمَّ يَتَجَوَّزُ بِهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِدْرَاكِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ ثَقَافَةٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ يَدُلُّ عَلَى إِدْرَاكِهِمْ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُمْ، وَالظُّهُورِ عَلَيْهِمْ. وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ سَيُحَارِبُونَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ يَكُونُ بِالْحَرْبِ، أَوْ بِمَا يَقْتَضِيهَا وَيَسْتَلْزِمُهَا، وَذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، إِذْ كَانَ
قَبْلَ وُقُوعِهِ عَقِبَ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَالْمَعْنَى: فَإِنْ تُدْرِكْ هَؤُلَاءِ النَّاقِضِينَ لِعَهْدِهِمْ، وَتُصَادِفْهُمْ فِي الْحَرْبِ ظَاهِرًا عَلَيْهِمْ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أَيْ: فَنَكِّلْ بِهِمْ تَنْكِيلًا يَكُونُونَ بِهِ سَبَبًا لِشُرُودِ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَتَفَرُّقِهِمْ كَالْإِبِلِ الشَّارِدَةِ النَّادَّةِ اعْتِبَارًا بِحَالِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِمَنْ خَلْفَ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: كُفَّارُ مَكَّةَ وَأَعْوَانُهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْقَبَائِلِ الْمُوَالِيَةِ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ تَوَاطَئُوا مَعَ الْيَهُودِ النَّاكِثِينَ لِعَهْدِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى قِتَالِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْإِثْخَانِ فِي هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ تَكَرَّرَتْ مُسَالَمَتُهُ لَهُمْ، وَتَجْدِيدُهُ لِعَهْدِهِمْ بَعْدَ نَقْضِهِ، لِئَلَّا يَنْخَدِعَ مَرَّةً أُخْرَى بِكَذِبِهِمْ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَحُبِّ السَّلْمِ، وَعُدَّةُ الْحَرْبِ ضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ تُتْرَكُ إِذَا زَالَتِ الضَّرُورَةُ الدَّافِعَةُ إِلَيْهَا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي سَتَأْتِي فِي آيَةِ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (61) وَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ أَوْهَمُوهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي السَّلْمِ مُعْتَذِرِينَ عَنْ نَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ مُخَادِعِينَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، وَالْإِثْخَانِ فِيهِمْ لِتَرْبِيَتِهِمْ، وَاعْتِبَارِ أَمْثَالِهِمْ بِحَالِهِمْ دُونَ حُبِّ الْحَرْبِ أَوِ الطَّمَعِ فِي غَنَائِمِهَا، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أَيْ: لَعَلَّ مَنْ خَلْفَهُمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ يَتَّعِظُونَ وَيَعْتَبِرُونَ، فَلَا يُقْدِمُونَ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَا يَعُودُ الْمُعَاهِدُ مِنْهُمْ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَنَكْثِ الْأَيْمَانَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِي السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً عِنْدَ اللهِ، وَلَا عِنْدَ رَسُولِهِ لِذَاتِهَا، وَلَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَجْدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هِيَ ضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ يُقْصَدُ بِهَا مَنْعُ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِعْلَاءُ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ، وَدَحْضُ الْبَاطِلِ، وَاكْتِفَاءُ شَرِّ عَمَلِهِ، بِنَاءً عَلَى سُنَّةِ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (13: 17) وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ عَصْرِنَا سُنَّةَ الِانْتِخَابِ الطَّبِيعِيِّ.
وَهَذَا الْإِرْشَادُ الْحَرْبِيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْقَسْوَةِ مَعَ الْبَادِئِينَ بِالْحَرْبِ، وَالنَّاقِضِينَ فِيهَا لِعُهُودِ السَّلْمِ، وَالتَّنْكِيلِ بِالْبَادِئِينَ بِالشَّرِّ، لِتَشْرِيدِ مَنْ وَرَاءَهُمْ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ قُوَّادِ الْحَرْبِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ مَعَ ذَلِكَ الِانْتِقَامَ، وَشِفَاءَ مَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْأَحْقَادِ، وَالسَّعْيَ لِإِذْلَالِ الْعِبَادِ، وَالتَّمَتُّعَ بِالْغَنَائِمِ مِنْ مَالٍ وَعَقَارٍ، دُونَ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّرْبِيَةِ بِالِاعْتِبَارِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست