responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 407
مَعَ الرَّسُولِ مَصْلَحَةً. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لِلْمُتَخَلِّفِينَ وَالْمَدْحِ لِلْمُبَادِرِينَ، وَأَيْضًا مَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الْقَاعِدِينَ وَبَيَانِ حَالِهِمُ انْتَهَى مَا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ عَنْهُ وَعَنِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْجِهَادِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ بَعْدَ إِعْلَانِ النَّفِيرِ فَيَسْتَأْذِنُوا لَهُ. وَأَمَّا كَوْنُ خُرُوجِهِمْ مَفْسَدَةً فَهُوَ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ (فِي الْآيَةِ 47) وَلَكِنَّ أُولَئِكَ الْمُسْتَأْذِنِينَ
لَمْ يَكُونُوا يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ لَهُمْ؛ لِيَنْكَشِفَ سَتْرُهُمْ، فَيَعْرِفُ النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ كُنْهَ أَمْرِهِمْ، وَيُثْبِتُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً مِنَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ لِمِثْلِ هَذَا السَّفَرِ الْبَعِيدِ، وَكَانُوا مُسْتَطِيعِينَ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ: وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ، الِانْبِعَاثُ: مُطَاوِعُ الْبَعْثِ وَهُوَ إِثَارَةُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ، وَتَوْجِيهُهُ إِلَى الشَّيْءِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ كَبَعْثِ الرُّسُلِ، أَوْ إِزْعَاجٍ كَبَعَثْتُ الْبَعِيرَ فَانْبَعَثَ، وَبَعَثَ اللهُ الْمَوْتَى. وَالتَّثْبِيطُ: التَّعْوِيقُ عَنِ الْأَمْرِ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ بِالتَّكْسِيلِ أَوِ التَّخْذِيلِ، وَلَمْ تَرِدْ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَالْمَعْنَى: كَرِهَ اللهُ نَفِيرَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا سَيُذْكَرُ مِنْ ضَرَرِهِ الْعَائِقِ عَمَّا أَحَبَّهُ وَقَدَّرَهُ مِنْ نَصْرِهِمْ، فَثَبَّطَهُمْ بِمَا أَحْدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْمَخَاوِفِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي تَأْثِيرِ النِّفَاقِ، فَلَمْ يَعُدُّوا لِلْخُرُوجِ عُدَّتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوهُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالِاسْتِئْذَانِ سَتْرَ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعِصْيَانِ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ فِي هَذَا الْقِيلِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِدَاعِيَةِ الْقُعُودِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ التَّثْبِيطِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمْرٌ قَدَرَيٌّ تَكْوِينِيٌّ لَا خِطَابٌ كَلَامِيٌّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلُ الشَّيْطَانِ بِالْوَسْوَسَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِإِذْنِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ، وَأَنَّهُ قَالَهُ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى السُّخْطِ لَا عَلَى الرِّضَاءِ. إِذْ مَعْنَاهُ: اقْعُدُوا مَعَ الْأَطْفَالِ وَالزَّمْنَى وَالْعَجَزَةِ وَالنِّسَاءِ، فَأَخَذُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمُرَادِهِمْ.
وَيَحْتَجُّ الْمُجْبِرَةُ وَمِنْهُمُ الْأَشْعَرِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيَتَأَوَّلُهَا هَؤُلَاءِ بِأَنَّهَا لَا تُنَافِي وُجُوبَ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ، وَتَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، وَمَذْهَبُنَا فِي أَمْثَالِهَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي تَرْتِيبِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، عَلَى مَا يَبْعَثُ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقَائِدِ وَالصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَمُوَافَقَةُ ذَلِكَ هُنَا لِحِكْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ تَعَالَى بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ تَوْفِيقُ أَقْدَارٍ لِأَقْدَارٍ، فِي ضِمْنِ دَائِرَةِ الِاخْتِيَارِ، فَلَا جَبْرَ وَلَا اضْطِرَارَ لِلْعَبْدِ، وَلَا وُجُوبَ عَلَى الرَّبِّ، فَالْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَمَا فِي شَرْعِهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمَصَالِحِ
وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ مِمَّا يَجِبُ لَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ وَكَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالرَّحْمَةِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 407
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست