responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 367
قَدْ تَمَّ صَلَاحُهُ، وَآنَ وَقْتُ تَلَطُّفِ الْحَرِّ وَالرَّاحَةِ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَجَبٍ وَافَقَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بُرْجَ الْمِيزَانِ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالصَّيْفِ.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ: هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَبَعْدَ الطَّائِفِ، بِأَمْرِهِمُ النَّفِيرَ فِي الصَّيْفِ حِينَ اخْتَرَقَتِ النَّخْلُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَهُوا الظِّلَالَ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ. (قَالَ) فَقَالُوا: مِنَّا الثَّقِيلُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالضَّيْعَةِ وَالشُّغْلِ وَالْمُنْتَشِرُ بِهِ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةٍ أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهَا لِمَا تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةُ الْحَرْبِ مِنَ الْكِتْمَانِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدْ صَرَّحَ بِهَا؛ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى بَصِيرَةٍ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ وَقِلَّةِ الزَّادِ وَالظَّهْرِ. فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا شَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْخُرُوجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ، وَكَانَتْ حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِمْ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ فِيهَا قِتَالًا - مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِهَا مِنْ تَمْحِيصِ الْمُؤْمِنِينَ، وَخِزْيِ الْمُنَافِقِينَ، وَفَضِيحَتِهِمْ فِيمَا كَانُوا يُسِرُّونَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمُ الدَّوَائِرَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَالْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ مَاذَا عَرَضَ لَكُمْ مِمَّا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِيمَانِ أَوْ كَمَالِهِ الْمُقْتَضِي لِلْإِذْعَانِ وَالطَّاعَةِ، حِينَ قَالَ لَكُمُ الرَّسُولُ: انْفرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لِقِتَالِ الرُّومِ الَّذِينَ تَجَهَّزُوا لِقِتَالِكُمْ، وَالْقَضَاءِ عَلَى دِينِكُمُ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ السَّبِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ وَسُنَنِهِ، فَتَثَاقَلْتُمْ عَنِ النُّهُوضِ بِالنَّشَاطِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ، مُخْلِدِينَ إِلَى أَرْضِ الرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ، وَآيَةُ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ الْجِهَادُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (49: 15) .
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ أَيْ: أَرَضِيتُمْ بِرَاحَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا النَّاقِصَةِ الْفَانِيَةِ بَدَلًا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْكَامِلَةِ الْبَاقِيَةِ؟ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
فَقَدِ اسْتَبْدَلْتُمُ الَّذِي هُوَ أَدْنَأُ وَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ أَيْ: فَمَا هَذَا الَّذِي يُتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مُنَغَّصًا بِالشَّوَائِبِ وَالْمَتَاعِبِ فِي جَنْبِ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالرِّضْوَانِ الْإِلَهِيِّ الْعَظِيمِ، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ بَدَلًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَعِيمَ الدُّنْيَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَفِي قِلَّتِهِ فِي نَفْسِهِ وَزَمَنِهِ بِمَنْ وَضَعَ أَصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْهُ قَالَ: " فَانْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ "؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 367
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست