responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 337
لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ الْقَرِينَةِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ بِشَارَةَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَكْذِيبَ الْيَهُودِ لَهُ فِي رِسَالَتِهِ وَبِشَارَتِهِ، وَقَالَ قَبْلَهَا: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (61: 7) فَالْمَعْنَى عَلَى التَّعْلِيلِ: أَنَّ هَؤُلَاءِ
الضَّالِّينَ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِإِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي بَشَّرَهُمْ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَاءً كَانُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ - بَعْدَ بِعْثَتِهِ وَدَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَظُهُورِ نُورِهِ بِالْحُجَجِ السَّاطِعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ - يُرِيدُونَ افْتِرَاءَ الْكَذِبِ بِإِنْكَارِ تِلْكَ الْبِشَارَاتِ وَتَأْوِيلِهَا بِمَا يَصْرِفُهَا عَنْ وَجْهِهَا ; لِأَجْلِ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ تَعَالَى بِافْتِرَائِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الِافْتِرَاءَ بِإِنْكَارِهَا وَتَأْوِيلِهَا، وَبِالطَّعْنِ فِي مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُطْفِئُ هَذَا النُّورَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ (61: 8) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتِمُّ نُورِهِ بِالْفِعْلِ فَلَا يُطْفِئُهُ الِافْتِرَاءُ، بَلْ هُوَ كَمَنْ يَنْفُخُ فِي نُورٍ قَوِيٍّ لِيُطْفِئَهُ فَيَزِيدُهُ بِذَلِكَ اشْتِعَالًا، أَوْ كَمَنْ يُحَاوِلُ إِطْفَاءَ نُورِ الشَّمْسِ فَلَا يَنَالُ مِنْهَا مَنَالًا. فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الصَّفِّ تَعْلِيلٌ لِافْتِرَائِهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ إِطْفَاءَ النُّورِ بِهِ، وَآيَةَ بَرَاءَةَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ بَيَانِ شِرْكِهِمْ بِمُضَاهَأَتِهِمْ لِأَقْوَالِ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَعَلَ ذَلِكَ نَفْسَهُ بِمَعْنَى إِرَادَةِ إِطْفَاءِ النُّورِ بِلَا وَاسِطَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا آخَرَ وَهُوَ التَّعْبِيرُ فِي آيَةِ سُورَةِ الصَّفِّ بِقَوْلِهِ: وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَفِي سُورَةِ بَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ: وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَالْأَوَّلُ: يُفِيدُ أَنَّهُ مُتِمُّهُ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ. وَالثَّانِي: وَعْدٌ بِأَنْ يُتِمَّهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَيَجْتَمِعُ مِنْهُمَا إِثْبَاتُ هَذَا الْإِتْمَامِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَهُوَ النُّورُ التَّامُّ الْكَامِلُ الَّذِي لَا يَنْطَفِئُ بِالْقِيلِ وَالْقَالِ، بَلْ يَبْقَى مُشْرِقًا إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِهَذَا الْعَالَمِ بِالزَّوَالِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَعْدُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَغِيبِ عَنْ عِلْمِ الْخَلْقِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرْتَابَ فِيهِ النَّاسُ، أَكَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُؤَكِّدْ بِهِ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ ; لِأَنَّ صِدْقَهُ مُشَاهَدٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْكِيدِ، وَنَاهِيكَ بِقَوْلِهِ: وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أَيْ: إِنَّهُ لَا يَرْضَى وَلَا تَتَعَلَّقُ إِرَادَتُهُ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ إِلَّا شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ فَلَا يَجْعَلُ فِي قَدْرَةِ أَحَدٍ أَنْ يُطْفِئَهُ.
وَالْآيَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الْكَارِهِينَ لَهُ سَيُحَاوِلُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِطْفَاءَ هَذَا النُّورِ، كَمَا حَاوَلُوا ذَلِكَ فِي عَصْرِ مَنْ أَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ وَبَيَانِهِ لَهُ.
وَهَذَا مَا وَقَعَ مِنْ قَبْلُ وَأَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَأَفْظَعُهُ الْحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ وَمُقَدِّمَاتُهَا. وَمَا هُوَ وَاقِعٌ الْآنِ، فَإِنَّ دُعَاةَ النَّصْرَانِيَّةِ (الْمُبَشِّرُونَ) مِنَ الْإِفْرِنْجِ يُغْلُونَ فِي الطَّعْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي كُلِّ بَلَدٍ لِدُوَلِهِمْ فِيهِ حُكْمٌ أَوْ نُفُوذٌ أَوِ امْتِيَازٌ، كَمِصْرَ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْلَا شِدَّةُ غُلُوِّهِمْ وَوَقَاحَتِهِمْ فِي الِافْتِرَاءِ وَالْبُهْتَانِ لَمَا أَطَلْنَا فِي هَذَا السِّيَاقِ بِمَا أَطَلْنَا بِهِ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست