responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 335
أَبْلَغُ مِنْ إِخْمَادِهَا ; لِأَنَّ الْإِخْمَادَ إِزَالَةُ اللهَبِ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ إِطْفَاءُ السِّرَاجِ سَهْلًا فَإِطْفَاءُ نُورِ الشَّمْسِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّورِ دِينُ اللهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فِي كُلِّ قَوْمٍ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُمْ فِي زَمَنِهِمْ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّمَامَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ الَّذِي أَضَافَهُ إِلَى اسْمِهِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، مُبَيِّنًا لَهُمْ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، مِنْ عَقَائِدَ يُؤَيِّدُهَا الْبُرْهَانُ، وَيَطْمَئِنُّ لَهَا الْوِجْدَانُ، وَتَبْطُلُ بِهَا عِبَادَةُ الْإِنْسَانِ لِلْإِنْسَانِ، فَضْلًا عَنِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ. وَعِبَادَاتٍ تَتَزَكَّى بِهَا النَّفْسُ، وَتَطْهُرُ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ، وَتَجْعَلُ كِفَايَةَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ حُقُوقًا إِلَهِيَّةً، تَكْفُلُهَا الْعَقَائِدُ الْوِجْدَانِيَّةُ، وَيُبْطِلُ ثَوَابَهَا الْمَنُّ وَالْأَذَى، وَآدَابٍ تَطْبَعُ فِي الْأَنْفُسِ مَلَكَاتِ الْفَضَائِلِ، وَتَتَوَثَّقُ بِهَا عُرَى الْمَصَالِحِ. وَتَشْرِيعٍ سِيَاسِيٍّ وَقَضَائِيٍّ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَيُجْعَلُ السُّلْطَانَ الْحُكْمِيَّ لِلْأُمَّةِ، وَيُقَرِّرُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي الْحَقِّ، مَعَ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، وَاحْتِرَامِ حُرِّيَّةِ الْإِرَادَةِ وَالرَّأْيِ وَالْوِجْدَانِ. وَمَنْعِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَدْيَانِ، وَالتَّوْحِيدِ الْمُصْلِحِ لِلِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ فِي الْعَقَائِدِ وَالتَّعَبُّدِ وَالتَّشْرِيعِ وَاللُّغَةِ، لِإِزَالَةِ التَّعَادِي بَيْنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ، فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا كُلَّهَا، كَانَ تَشْرِيعُ الْمُسَاوَاةِ بِالْعَدْلِ كَافِيًا لِحِفْظِ حُقُوقِهِ فِيهَا.
أَتَمَّ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ آيَتَهُ الْكُبْرَى عِلْمِيَّةً عَقْلِيَّةً وَهِيَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَكَفَلَ حِفْظَهَا إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَمْ يَكْفُلْ ذَلِكَ لِكِتَابٍ آخَرَ ; لِأَنَّ سَائِرَ الْكُتُبِ كَانَتْ أَدْيَانًا خَاصَّةً مُؤَقَّتَةً، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الدَّعْوَةَ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ الْمَحَجَّةَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (5: 3) .
وَجُمْلَةُ الْمَعْنَى فِي هَذَا التَّرْكِيبِ: أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِهِدَايَةِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا قُطْبُهُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ جَمِيعُ عِبَادَاتِهِ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَتَحَوَّلُوا عَنْهُ إِلَى الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَاللهُ تَعَالَى لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، لَا يُرِيدُ فِي هَذَا الشَّأْنِ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ هَذَا النُّورَ الَّذِي بَدَأَ فِي الْأَجْيَالِ السَّابِقَةِ كَالسِّرَاجِ عَلَى مَنَارَتِهِ، أَوْ كَنُورِ الْهِلَالِ فِي بُزُوغِهِ، فَالْقَمَرُ فِي مَنَازِلِهِ، فَيَجْعَلُهُ بَدْرًا كَامِلًا، بَلْ شَمْسًا ضَاحِيَةً يَعُمُّ نُورُهُ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَمَا يُرِيدُهُ اللهُ كَائِنٌ لَا مَرَدَّ لَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ذَلِكَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ، كَمَا كَانُوا يَكْرَهُونَهُ مِنْ قَبْلُ عِنْدَ بَدْءِ ظُهُورِهِ، وَجَوَابُ " لَوْ " مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا يَقُولُ النُّحَاةُ. فَهُمْ يَكِيدُونَ لَهُ، وَيَفْتَرُونَ عَلَيْهِ، وَيَطْعَنُونَ فِيهِ وَفِيمَنْ جَاءَ بِهِ. وَيُحَاوِلُونَ إِخْفَاءَهُ، أَوْ " خَنْقَ دَعْوَتِهِ، وَحَصْدَ نَبْتَتِهِ " كَمَا قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللهُ. فَأَمَّا الْيَهُودُ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي مُقَاوَمَةِ دَعْوَتِهِ، وَمُسَاعَدَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست