responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 198
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْجِهَادَ يَشْمَلُ الْقِتَالَ وَالنَّفَقَةَ فِيهِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، لِإِبْلَاغِهَا مَقَامَ الْكَمَالِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِبْطَالِ تَبَجُّحِهِمْ وَفَخْرِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَلَمَّا كَانَ نَفْيُ اسْتِوَاءِ الْفَرِيقَيْنِ، وَنَفْيُ اهْتِدَاءِ الظَّالِمِينَ إِلَى الْحُكْمِ الصَّحِيحِ فِي مَوْضُوعِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمَا - وَإِنِ اقْتَضَيَا بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ تَفْضِيلَ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى فَرِيقِ السَّدَنَةِ وَالسَّقَّائِينَ - لَا يُعْرَفُ مِنْهُمَا كُنْهُ هَذَا الْفَضْلِ، وَلَا دَرَجَةُ أَهْلِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَشْرِفُ لَهُ التَّالِي وَالسَّامِعُ، بَيَّنَهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا يَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَنَازَعُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَيُّ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ "؟ فَقَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ حُكْمِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَمَكَانِيَّةٌ جَزَائِيَّةٌ، أَيْ: أَعْظَمُ دَرَجَةً وَأَعْلَى مَقَامًا فِي الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فِي حُكْمِ اللهِ، وَأَكْبَرُ مَثُوبَةً فِي جِوَارِ اللهِ مِنْ أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، الَّذِي رَأَى بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَمَلَهُمْ أَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ بَعْدَ هِدَايَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَالصَّلَاحِ، الَّذِينَ
لَمْ يَنَالُوا فَضْلَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ بِنَوْعَيْهِ الْمَالِيِّ وَالنَّفْسِيِّ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فِي التَّفْضِيلِ عَدَمُ ذِكْرِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ.
(فَإِنْ قِيلَ) إِنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَفْتَخِرُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السِّقَايَةِ وَالْعِمَارَةِ لَهُ دَرَجَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ دَرَجَةُ الْإِيمَانِ مَعَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَعْظَمُ - وَقَدْ سَبَقَ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبِلَ هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافُ ذَلِكَ. (قُلْنَا) لَا مِرَاءَ فِي كَوْنِ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَكُونُ لِصَاحِبِهَا دَرَجَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِذَا فُعِلَا كَمَا يَرْضَى اللهُ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُمَا الْإِسْلَامُ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ وَظَائِفِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنَّ الشِّرْكَ بِاللهِ تَعَالَى يُحْبِطُهُمَا وَيُحْبِطُ غَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ أَيْ: وَأُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُهَاجِرُونَ الْمُجَاهِدُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِمَثُوبَةِ اللهِ الْفُضْلَى، وَكَرَامَتِهِ الْعُلْيَا الْمُبَيَّنَةِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَجْمِعًا لِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ سَقَى الْحَاجَّ، وَعَمَرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَثَوَابُ الْمُؤْمِنِ عَلَى هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ، دُونَ ثَوَابِهِ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَا ثَوَابَ لِلْكَافِرِ عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ يُحْبِطُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ، وَإِنْ فُرِضَ فِيهَا حُسْنُ النِّيَّةِ، وَقَلَّمَا يَفْعَلُهَا الْكَافِرُ إِلَّا لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ.
وَهَا هُنَا تَسْتَشْرِفُ النَّفْسُ لِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَوْزِ الْمُجْمَلِ فَبَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ، ثُمَّ عَلَى لِسَانِ مَلَائِكَتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ أَيْ: رَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ لَدُنْهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرِضْوَانٍ أَيْ: نَوْعٍ مِنَ الرِّضَى التَّامِّ الْكَامِلِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ، وَلَا يَعْقُبُهُ سَخَطٌ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى زِيَادَةُ لَفْظِ رِضْوَانٍ فِي الْمَبْنَى عَلَى لَفْظِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 198
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست