responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 7
كَانَ أَرْقَى حُكَّامِ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَغَيْرِهِمْ عِلْمًا وَفَنًّا وَأَدَبًا وَسِيَاسَةً يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، وَيَعْبَثُ بِالْمَالِ وَالْعِرْضِ، أَوْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (2: 205) وَكَانَ الْمُسْلِمُ الْعَرَبِيُّ يَتَوَلَّى حُكْمَ بَلَدٍ أَوْ وِلَايَةٍ، وَهُوَ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ فُنُونِ الدَّوْلَةِ، وَلَا مِنْ قَوَانِينِ الْحُكُومَةِ، وَلَمْ يُمَارِسْ أَسَالِيبَ السِّيَاسَةِ وَلَا طُرُقَ الْإِدَارَةِ، وَإِنَّمَا كُلُّ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ بَعْضُ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيُصْلِحُ مِنْ تِلْكَ الْوِلَايَةِ فَسَادَهَا، وَيَحْفَظُ أَنْفُسَهَا وَأَمْوَالَهَا وَأَعْرَاضَهَا، وَلَا يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا، هَذَا وَهُوَ فِي حَالِ حَرْبٍ، وَسِيَاسَةِ فَتْحٍ، مُضْطَرٌّ لِمُرَاعَاةِ تَأْمِينِ الْمُوَاصَلَاتِ مَعَ جُيُوشِ أُمَّتِهِ وَحُكُومَتِهَا،
وَسَدِّ الذَّرَائِعِ لِانْتِقَاضِ أَهْلِهَا. وَإِذَا صَلُحَتِ النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ أَصْلَحَتْ كُلَّ شَيْءٍ تَأْخُذُ بِهِ، وَتَتَوَلَّى أَمْرَهُ، فَالْإِنْسَانُ سَيِّدُ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَصَلَاحُهَا وَفَسَادُهَا مَنُوطٌ بِصَلَاحِهِ وَفَسَادِهِ، وَلَيْسَتِ الثَّرْوَةُ وَلَا وَسَائِلُهَا مِنْ صِنَاعَةٍ وَزِرَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ هِيَ الْمِعْيَارَ لِصَلَاحِ الْبَشَرِ، وَلَا الْمُلْكُ وَوَسَائِلُهُ، مِنَ الْقُوَّةِ وَالسِّيَاسَةِ، فَإِنَّ الْبَشَرَ قَدْ أَوْجَدُوا كُلَّ وَسَائِلِ الْمُلْكِ وَالْحَضَارَةِ مِنْ عُلُومٍ وَفُنُونٍ وَأَعْمَالٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَهِيَ إِذًا نَابِعَةٌ مِنْ مَعِينِ الِاسْتِعْدَادِ الْإِنْسَانِيِّ، تَابِعَةٌ لَهُ دُونَ الْعَكْسِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ فِي الْعَكْسِ كَدَلِيلِهِ فِي الطَّرْدِ، فَإِنَّنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ وَكَثِيرًا مِنَ الشُّعُوبِ الَّتِي وَرِثَتِ الْمُلْكَ وَالْحَضَارَةَ عَنْ سَلَفٍ أَوْجَدَهُمَا مِنَ الْعَدَمِ: مِمَّنْ أَضَاعُوهُمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا بِفَسَادِ أَنْفُسِهِمْ.
صَلُحَتْ أَنْفُسُ الْعَرَبِ بِالْقُرْآنِ إِذْ كَانُوا يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ فِي صَلَوَاتِهِمُ الْمَفْرُوضَةِ، وَفِي تَهَجُّدِهِمْ وَسَائِرِ أَوْقَاتِهِمْ فَرَفَعَ أَنْفُسَهُمْ وَطَهَّرَهَا مِنْ خُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ الْمُذِلَّةِ لِلنُّفُوسِ الْمُسْتَعْبِدَةِ لَهَا، وَهَذَّبَ أَخْلَاقَهَا وَأَعْلَى هِمَمِهَا، وَأَرْشَدَهَا إِلَى تَسْخِيرِ هَذَا الْكَوْنِ الْأَرْضِيِّ كُلِّهِ لَهَا، فَطَلَبَتْ ذَلِكَ فَأَرْشَدَهَا طَلَبُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِسُنُّتِهِ تَعَالَى فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ، فَهَدَاهَا ذَلِكَ إِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ، فَأَحْيَتْ مَوَاتَهَا، وَأَبْدَعَتْ فِيهَا مَا لَمْ يَسْبِقْهَا إِلَيْهِ غَيْرُهَا، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ تَطَوُّرِ الْأُمَمِ مِنْ حُكَمَاءِ الْغَرْبِ: " إِنَّ مَلَكَةَ الْفُنُونِ لَا تَسْتَحْكِمُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَجْيَالٍ: جِيلِ التَّقْلِيدِ، وَجِيلِ الْخَضْرَمَةِ، وَجِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَشَذَّ الْعَرَبُ وَحْدَهُمْ فَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِمْ مَلَكَةُ الْفُنُونِ فِي جِيلٍ وَاحِدٍ ".
قَدْ شَاهَدْنَا وَلَا نَزَالُ نُشَاهِدُ فِي بِلَادِنَا أَنَّ طَلَبَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ مَعَ إِهْمَالِ التَّرْبِيَةِ الْمُصْلِحَةِ لِلنَّفْسِ لَمْ تَحُلْ دُونَ اسْتِعْبَادِ الْأَجَانِبِ لَنَا، كَمَا جَرَى فِي دَوْلَتَيِ الْأَسِتَانَةِ وَالْقَاهِرَةِ وَغَيْرِهِمَا. تَرَى الرَّجُلَ الْمُتَعَلِّمَ الْمُتَفَنِّنَ يَتَوَلَّى وِلَايَةً أَوْ وِزَارَةً فَيَكُونُ أَوَّلَ هَمِّهِ مِنْهَا تَأْسِيسُ ثَرْوَةٍ وَاسِعَةٍ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَالزِّينَةِ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ كُلُّ طَبَقَةٍ مِنْ رِجَالِ الدَّوْلَةِ، يَسْتَنْزِفُونَ ثَرْوَةَ الْأُمَّةِ بِالرُّشَى وَالْحِيَلِ وَأَكْلِ السُّحْتِ، وَيَكُونُ كُلُّ مَا فَضَلَ عَنْ شَهَوَاتِهِمْ بَلْ جُلُّ مَا يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهَا نَصِيبَ الْأَجَانِبِ، وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْمَنَارِ وَالتَّفْسِيرِ فَلَا نُطِيلُ فِيهَا هُنَا. وَإِنَّمَا طَرَقْنَا هَذَا الْبَابَ لِنُذَكِّرَكُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست