responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 393
فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنَّ هَذِهِ الدَّعَاوَى مِنَ التَّعَصُّبِ لِلتَّقَالِيدِ وَأَنَّ دِينَ اللهِ - تَعَالَى - وَاحِدٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَرُوحَهُ التَّوْحِيدُ وَالِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَالْخُضُوعُ وَالْإِذْعَانُ لِهِدَايَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبِهَذَا كَانَ يُوصِي أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ أَبْنَاءَهُمْ وَأُمَمَهُمْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ دِينَ اللهِ - تَعَالَى - وَاحِدٌ فِي كُلِّ أُمَّةٍ وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (42: 13)) فَالتَّفَرُّقُ فِي الدِّينِ مَا جَاءَ إِلَّا مِنَ الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَهْوَاءِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحُظُوظِ وَالْمَنَافِعِ الْمُتَبَادَلَةِ بَيْنَ الْمَرْءُوسِينَ وَالرُّؤَسَاءِ، فَالْقُرْآنُ يُطَالِبُ الْجَمِيعَ بِالِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى أَصْلَيْهِ، الْعَقْلِيِّ: وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ، وَالْقَلْبِيِّ: وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ.
وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ يُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الَّذِي تَقَدَّمَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، أَيْ لَيْسَ عَلَى دِينِ اللهِ الْقَيِّمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَنْبِيَاءِ اللهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْإِسْلَامِ فِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ، فَهُوَ لَقَبٌ يُطْلَقُ عَلَى طَوَائِفَ مِنَ النَّاسِ لَهُمْ مُمَيِّزَاتٌ دِينِيَّةٌ وَعَادِيَّةٌ تُمَيِّزُهُمْ عَنْ سَائِرِ طَوَائِفِ النَّاسِ الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ بِأَلْقَابٍ دِينِيَّةٍ أُخْرَى، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إِطْلَاقِ هَذَا اللَّقَبِ الْعُرْفِيِّ عِنْدَ أَهْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ خَاضِعًا مُسْلِمًا لِدِينِ اللهِ مُخْلِصًا لَهُ أَعْمَالَهُ، بَلْ يُطْلِقُونَهُ أَيْضًا عَلَى مَنِ ابْتَدَعَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ مَا يُنَافِيهِ، وَمَنْ فَسَقَ عَنْهُ وَاتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ. وَمَعْنَى الْإِسْلَامِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ الْقُرْآنُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَيَعْتَرِفُ بِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ لِأَنَّهُ رُوحُ كُلِّ دِينٍ، وَهُوَ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّقَبِ لَا مَعْنَى لَهَا.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ هَذَا الْمَعْنَى: وَبِهِ يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ خَصَّصَ الرَّغْبَةَ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِالْمَيْلِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ أَنَّ " أَمْ " تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ إِذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ كَمَا هُنَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِشْعَارِ بِالِانْتِقَالِ، فَفِيهَا مَعْنَى الْإِضْرَابِ.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، أَقُولُ: الْأُمَّةُ هُنَا الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَآبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ، وَإِذَا بَدَأْتَ بِالْأَفْضَلِ قُلْتَ: إِبْرَاهِيمُ وَأَوْلَادُهُ وَأَحْفَادُهُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ. (قَدْ خَلَتْ) مَضَتْ وَذَهَبَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ (لَهَا مَا كَسَبَتْ) مِنْ عَمَلٍ تُجْزَى بِهِ (وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ) مِنْ عَمَلٍ تُجْزَوْنَ بِهِ، وَلَا يُجْزَى أَحَدٌ بِعَمَلِ غَيْرِهِ (وَلَا تُسْئَلُونَ) يَوْمَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ (عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سُؤَالَ حِسَابٍ وَجَزَاءٍ، وَلَا يُسْئَلُونَ عَمَّا تَعْمَلُونَ كَذَلِكَ، بَلْ كُلٌّ يُسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ وَيُجَازَى بِهِ دُونَ عَمَلِ غَيْرِهِ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 393
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست