responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 386
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَفِي الْكَلَامِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ ذِكْرَ الْقَوَاعِدِ أَوَّلًا يُنَبِّهُ الذِّهْنَ وَيُحَرِّكُهُ إِلَى طَلَبِ مَعْرِفَةِ الْقَوَاعِدِ مَا هِيَ؟ وَقَوَاعِدُ أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ فَإِذَا جَاءَ الْبَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَحْسَنَ وَقْعًا فِي النَّفْسِ، وَأَشَدَّ تَمَكُّنًا فِي الذِّهْنِ، وَأَمَّا النُّكْتَةُ فِي تَأْخِيرِ ذِكْرِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ: فَهِيَ الْإِلْمَاعُ إِلَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ مِنَ اللهِ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّمَا كَانَ إِسْمَاعِيلُ مُسَاعِدًا لَهُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) . . . إِلَخْ حِكَايَةٌ لِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ ذَلِكَ، حُذِفَ الْقَوْلُ لِلْإِيجَازِ الَّذِي عُهِدَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي خِطَابِ الْعَرَبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ بَيَانٌ لِحَالِهِمَا وَقْتَئِذٍ، وَتَقَبَّلَ اللهُ الْعَمَلَ: قَبِلَهُ وَرَضِيَ بِهِ (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لِأَقْوَالِنَا (الْعَلِيمُ) بِأَعْمَالِنَا وَبِنِيَّتِنَا فِيهَا.
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) الْمُسْلِمُ وَالْمُسَلِّمُ وَالْمُسْتَسْلِمُ وَاحِدٌ وَهُوَ: الْمُنْقَادُ الْخَاضِعُ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ: مَا يَشْمَلُ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ - أَيِ الْإِخْلَاصُ فِي الِاعْتِقَادِ - أَيْ لَا يَتَوَجَّهُ الْمُسْلِمُ بِقَلْبِهِ إِلَّا إِلَى اللهِ وَلَا يَسْتَعِينُ بِأَحَدٍ فِيمَا وَرَاءَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ إِلَّا بِاللهِ، وَمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ مَرْضَاةَ اللهِ - تَعَالَى - لَا اتِّبَاعَ الْهَوَى وَإِرْضَاءَ الشَّهْوَةِ، وَإِنَّمَا يُرْضِيهِ - تَعَالَى - مِنَّا أَنْ نُزَكِّيَ نُفُوسَنَا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَنُرَقِّيَ عُقُولَنَا بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ الْمُؤَيَّدِ بِالْبُرْهَانِ، فَبِذَلِكَ نَكُونُ مَحِلَّ عِنَايَتِهِ - تَعَالَى - وَمُسْتَوْدَعَ مَعْرِفَتِهِ، وَمَوْضِعَ كَرَامَتِهِ، وَمَنْ يَقْصِدُ بِأَعْمَالِهِ إِرْضَاءً لِشَهْوَتِهِ وَاتِّبَاعَ هَوَاهُ لَا يَزِيدُ نَفْسَهُ إِلَّا خُبْثًا، وَبِذَلِكَ يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ الْإِسْلَامِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)
(25: 43) ؟ .
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْإِسْلَامَ يَنْدَفِعُ لِمُعْظَمِ الْأَعْمَالِ بِسَائِقِ طَلَبِ الْمَنْفَعَةِ وَاللَّذَّةِ وَهُوَ سَائِقٌ فِطْرِيٌّ، فَكَيْفَ يُنَافِيهِ الْإِسْلَامُ وَهُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ. وَمِثَالُهُ طَلَبُ الْغِذَاءِ لِقِوَامِ الْجِسْمِ يَسُوقُ إِلَيْهِ التَّلَذُّذَ بِالطَّعَامِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ طَلَبُ اللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا يُطْلَبُ لِلَذَّةٍ خَالِصًا لِلَّهِ وَحْدَهُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَلًّا لَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي دِيَانَةٍ أُخْرَى، ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا هُوَ ضَارٌّ بِنَا، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا هُوَ نَافِعٌ لَنَا، وَقَدْ أَبَاحَ لَنَا مَا لَا ضَرَرَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ مِنْ ضُرُوبِ الزِّينَةِ وَاللَّذَّةِ إِذَا قُصِدَ بِهَا مُجَرَّدُ اللَّذَّةِ، وَأَمَّا إِذَا قُصِدَ بِهَا مَعَ اللَّذَّةِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَفُعِلَتْ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطَّاعَاتِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا، وَمِنْ نِيَّةِ الْمَرْءِ الصَّالِحَةِ فِي الزِّينَةِ وَالطِّيبِ أَنْ يَسُرَّ إِخْوَانَهُ بِلِقَائِهِ، وَأَنْ يُظْهِرَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَقَرَّبَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 386
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست