responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 371
ثَانِيًا: بَعْدَ
التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ لِإِزَالَةِ مَا رُبَّمَا يُحْدِثُهُ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِيَاءِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْبَابِ التَّنْفِيرِ عَمَّا فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّكْرَارِ الَّذِي يَتَحَامَاهُ الْبُلَغَاءُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إِعَادَةِ الشَّيْءِ لِإِفَادَةِ مَا لَا يُسْتَفَادُ بِدُونِهِ. كَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَمْهِيدٌ لِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ فَذْلَكَةُ الْقِصَّةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ.
ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ تَعْتَذِرُوا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْ فَهْمِ كِتَابِ اللهِ بِأَنَّ بَعْضَ سَلَفِكُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَهُ وَيَتَدَبَّرُونَهُ، وَأَنَّكُمُ اسْتَغْنَيْتُمْ بِتَدَبُّرِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنْ أَنْ تَفْهَمُوا وَتَتَدَبَّرُوا، فَإِنَّهُ يَوْمٌ لَا يُغْنِي فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا. وَيُؤَيِّدُ الْآيَةَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: ((يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا)) . . . إِلَخْ، وَإِذَا كَانَ لَا يُجْزِي فَهْمُ سَلَفِكُمْ عَنْكُمْ أَنَّكُمْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ هِدَايَةِ كِتَابِهِ، فَلَا تَنْفَعُكُمْ شَفَاعَتُهُمْ أَيْضًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ عَدْلٌ وَلَا فِدَاءٌ تَفْتَدُونَ بِهِ، وَتَجْعَلُونَهُ مُعَادِلًا لِمَا فَرَّطْتُمْ فِيهِ كَمَا قَالَ: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ بِالْمُكَفِّرَاتِ تُؤْخَذُ عَدْلًا عَمَّا فَرَّطُوا فِيهِ وَبِشَفَاعَةِ أَنْبِيَائِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِهِ شَيْءٌ آخَرُ، ثُمَّ قَطَعَ حَبْلَ رَجَائِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ فَقَالَ: (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِمْ نَصْرٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْأُولَى مَا يُغْنِي عَنِ الْإِطَالَةِ هُنَا، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّ التَّعْبِيرَ قَدِ اخْتَلَفَ تَفَنُّنًا، فَفِي الْآيَةِ الْأُولَى تَقَدَّمَ ذِكْرُ الشَّفَاعَةِ مَنْفِيَّةَ الْقَبُولِ، وَتَأَخَّرَ ذِكْرُ الْعَدْلِ غَيْرَ مَأْخُوذٍ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ نَفْيُ قَبُولِ الْعَدْلِ أَوَّلًا، ثُمَّ نَفِيُ نَفْعِ الشَّفَاعَةِ ثَانِيًا، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا التَّفَنُّنِ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، فَمَنْ مَنَعَ الْعِوَضَ فِي الْآخَرِ، لَزِمَهُ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ، فَإِنْ جَوَّزَهَا جَوَّزَهُ.
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
أَقُولُ: بَعْدَ أَنْ أَقَامَ اللهُ الْحُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيَّنَ شُئُونَهُمْ فِي الْكُفْرِ
بِالنَّبِيِّ الَّذِي كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ لِبِشَارَةِ رُسُلِهِمْ بِهِ، وَشُئُونَهُمْ فِي التَّلَاعُبِ بِدِينِهِمْ وَشُئُونَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا مَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَنَبِيُّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْلٍ وَنَسَبٍ يُجِلُّهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْعَرَبِ جَمِيعًا، وَهُوَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَنَسَبُهُ، فَهُوَ فِي هَذَا السِّيَاقِ يُبَيِّنُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ - وَلَا سِيَّمَا الْيَهُودُ - الْمُحْتَكِرِينَ لِلْوَحْيِ فِي قَوْمِهِمْ وَالْمُفَضِّلِينَ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْعَرَبِ بِنَسَبِهِمْ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُجَّةً لَمَا قَامَتْ هَذِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست