responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 360
تَعَالَى - لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَهُوَ السَّمَاءُ، أَوْ مِنَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَهُوَ الْأَرْضُ، وَلَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مُجَانِسًا لَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِلْكٌ لَهُ، قَانِتٌ لِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ، أَيْ خَاضِعٌ لِقَهْرِهِ مُسَخَّرٌ لِمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا كَانُوا سَوَاءً فِي كَوْنِهِمْ مُسَخَّرِينَ لَهُ بِفِطْرَتِهِمْ، مُنْقَادِينَ لِإِرَادَتِهِ
بِطَبِيعَتِهِمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ، فَلَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِتَخْصِيصِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ وَجَعْلِهِ وَلَدًا مُجَانِسًا لَهُ (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (19: 93) نَعَمْ إِنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْتَصَّ مَنْ شَاءَ كَمَا اخْتَصَّ الْأَنْبِيَاءَ بِالْوَحْيِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ لَا يَرْتَقِي بِالْمَخْلُوقِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْخَالِقِ، وَلَا يُعَرِّجُ بِالْمَوْجُودِ الْمُمْكِنِ إِلَى دَرَجَةِ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا يُودِعُ سُبْحَانَهُ فِي فِطْرَةِ مَنْ شَاءَ مَا يُؤَهِّلُهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (20: 50) وَلَيْسَتْ شُبْهَةُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا بَعْضَ الْبَشَرِ آلِهَةً بِأَمْثَلَ مِنْ شُبْهَةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا بَعْضَ الْكَوَاكِبِ آلِهَةً، إِذِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَظْهَرُ مَثَلًا مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَسِيحِ، وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ اللهِ أَوْ هُوَ اللهُ.
وَقَدْ غَلِّبَ فِي الْمِلْكِيَّةِ مَا لَا يَعْقِلُ فَقَالَ: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) . . . إِلَخْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَسْخِيرِهَا لَهُ التَّسْخِيرُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ، لَا التَّسْخِيرُ الشَّرْعِيُّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّكْلِيفِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْكَاسِبُ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَسْتَوِي فِي التَّسْخِيرِ الطَّبِيعِيِّ الْعَاقِلُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّهُ فِي غَيْرِ الْعَاقِلِ أَظْهَرُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْقُنُوتَ لَهُ - تَعَالَى -، جَمَعَهُ بِضَمِيرِ الْعَاقِلِ فَغَلَبَ فِيهِ الْعُقَلَاءُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْقُنُوتِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَاقِلِ الَّذِي يَشْعُرُ بِمُوجَبِهِ وَيَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ قُنُوتٌ يَلِيقُ بِهِ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْآيَةَ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِلْكٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَمُسَخَّرٌ لِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ حَكَمَ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْمِلْكِيَّةِ وَبِالْقُنُوتِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّسْخِيرُ وَقَبُولُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمِلْكِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي غَيْرِ الْعَاقِلِ وَهِيَ كَلِمَةُ (مَا) ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي ذَوْقِ اللُّغَةِ وَعُرْفِ أَهْلِهَا أَنَّ الْمِلْكَ يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يَعْقِلُ، وَعِنْدَ ذِكْرِ الْقُنُوتِ عَبَّرَ عَنْهُ بِضَمِيرِ الْعُقَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَمِمَّا يُعْهَدُ مِنْهُمْ وَيُسْنَدُ إِلَيْهِمْ لُغَةً وَعُرْفًا وَهَذَا كَمَا تَرَى مِنْ أَدَقِّ التَّعْبِيرِ وَأَلْطَفِهِ، وَأَعْلَى الْبَيَانِ وَأَشْرَفِهِ.
ثُمَّ زَادَ هَذَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بَيَانًا وَتَأْكِيدًا فَقَالَ: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْبَدِيعَ بِمَعْنَى الْمُبْدِعِ، فَهُوَ مِنَ الرُّبَاعِيِّ " أَبْدَعَ " وَاسْتَشْهَدُوا بِبَيْتٍ مِنْ كَلَامِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ جَاءَ فِيهِ (سَمِيعٌ) بِمَعْنَى مُسْمِعٍ، وَقَالُوا: قَدْ تَعَاقَبَ
فَعِيلٌ وَمُفْعِلٌ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ كَحَكِيمٍ وَمُحْكِمٍ، وَقَعِيدٍ وَمُقْعِدٍ، وَسَخِينٍ وَمُسْخِنٍ. وَقَالُوا: إِنَّ الْإِبْدَاعَ هُوَ إِيجَادُ الشَّيْءِ بِصُورَةٍ مُخْتَرَعَةٍ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي سَبْقَ الْمَادَّةِ، وَأَمَّا الْخَلْقُ فَمَعْنَاهُ: التَّقْدِيرُ وَهُوَ يَقْتَضِي شَيْئًا مَوْجُودًا يَقَعُ فِيهِ التَّقْدِيرُ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُبْدِعُ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمُخْتَرِعُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 360
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست