responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 345
(17: 59) ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُقْتَرَحَةُ، بِدَلِيلِ السِّيَاقِ، وَهُوَ اتِّفَاقٌ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مَوْضُوعَ طَلَبِ اسْتِبْدَالِ أَحْكَامٍ بِأَحْكَامٍ تَنْسَخُهَا، لَمَا كَانَ لِلتَّوَعُّدِ بِالْكُفْرِ وَجْهٌ وَجِيهٌ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ وَسَطَ الْجَادَّةِ، وَمَالَ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَمَتَى انْحَرَفَ السَّائِرُ فِي سَيْرِهِ عَنِ الْوَسَطِ، يَخْرُجُ عَنِ الْمَنْهَجِ وَيَبْعُدُ عَنْهُ كُلَّمَا أَوْغَلَ فِي السَّيْرِ، فَيَهْلَكُ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصِدِ. وَالْمُرَادُ بِسَوَاءِ السَّبِيلِ: الْحَقُّ وَالْخَيْرُ اللَّذَانِ تَكْمُلُ الْفِطْرَةُ بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى السَّيْرِ فِي طَرِيقِهِمَا، وَمَنْ مَالَ عَنِ الْحَقِّ وَقَعَ فِي الْبَاطِلِ لَا مَحَالَةَ، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) (10: 32) .
هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي تَتَّصِلُ بِهِ الْآيَاتُ، وَيَلْتَئِمُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَتَدَفَّقُ بِالْبَلَاغَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ الْعَقْلُ وَيَسْتَحْلِيهِ الذَّوْقُ، إِذْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي فَهْمِ نَظْمِهِ، وَلَا فِي تَوَخِّيهِ مُفْرَدَاتِهِ كَالْإِنْسَاءِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ، وَقَدِ اضْطُرَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسْخِ نَسْخُ الْأَحْكَامِ - مَعَ مَا عَرَفْتَ مِنَ التَّكَلُّفِ - إِلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ
نِسْيَانِ الْوَحْيِ، وَطَفِقُوا يَلْتَمِسُونَ الدَّلَائِلَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى أَوْرَدُوا قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (18: 24) ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَلَا الْمُخَاطَبُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) (87: 6، 7) فَهُوَ يُؤَكِّدُ عَدَمَ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (11: 108) أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ. وَقَوْلِهِ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) (7: 188) . وَالنُّكْتَةُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّابِتَةَ الدَّائِمَةَ إِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ - تَعَالَى - لَا بِطَبِيعَتِهَا فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى - أَنْ يُغَيِّرَهَا لَفَعَلَ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ مِنْ مَهَمَّاتِ الدِّينِ، فَلَا غَرْوَ أَنْ تُزَاحَ عَنْهُ الْأَوْهَامُ فِي كُلِّ مَقَامٍ يُمْكِنُ أَنْ تَعْرِضَ فِيهِ، فَلَيْسَ امْتِنَاعُ نِسْيَانِ الْوَحْيِ طَبِيعَةً لَازِمَةً لِلنَّبِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْيِيدٌ وَمِنْحَةٌ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، وَلَيْسَ خُلُودَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَاجِبٌ عَقْلِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ بِإِرَادَةِ اللهِ - تَعَالَى - وَمَشِيئَتِهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (أَوْ نَنْسَأَهَا) أَيْ نُؤَخِّرُهَا، وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَقَامِ نَسْخِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَظْهَرُ فِي نَسْخِ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي تُقْتَرَحُ عَلَى نَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ، قَدْ تُنْسَخُ بِآيَةٍ جَدِيدَةٍ خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، وَقَدْ تُؤَخَّرُ بِالْآيَةِ الْجَدِيدَةِ، ثُمَّ تُعْطَى فِي وَقْتٍ آخَرَ بَعْدَ الِاقْتِرَاحِ، وَلَكِنَّ تَأْخِيرَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 345
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست