responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 329
مَبْحَثُ السِّحْرِ وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ
ثُمَّ ذَكَرَ - تَعَالَى - أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ - مُجَاحَدَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَدًا لَهُ - قَدْ تَبَدَّلُوا الْكُفْرَ بِالْإِيْمَانِ وَاشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ) مِنَ الْإِنْسِ فِي قِصَصِهَا وَأَسَاطِيرِهَا، أَوْ مِنَ الْجِنِّ فِي وَسْوَسَتِهَا، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) (6: 112) (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) أَيْ مَا كَانَتْ تَتْلُو عَلَى عَهْدِهِ وَفِي أَيَّامِ مُلْكِهِ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ مُلْكَهُ قَامَ عَلَى أَسَاسِ السِّحْرِ وَالطِّلَسْمَاتِ، وَأَنَّهُ ارْتَدَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ مَرْضَاةً لِنِسَائِهِ الْوَثَنِيَّاتِ (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) وَمَا سَحَرَ (وَلَكِنَّ) أُولَئِكَ (الشَّيَاطِينَ) الَّذِينَ يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ مَا انْتَحَلُوهُ مِنَ السِّحْرِ، وَمَا تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ الْكُفْرِ، هُمُ الَّذِينَ (كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) لِيَفْتِنُوا بِهِ الْعَامَّةَ وَيُضِلُّونَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ أَسْبَابِهَا الظَّاهِرَةِ وَمَنَاهِجِهَا الْمَشْرُوعَةِ.
هَذِهِ الْأَوْهَامُ وَالْأَكَاذِيبُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِمَّا افْتَجَرَهُ بَعْضُ الدَّجَّالِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَسْوَسُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَصَدَّقُوهُمْ فِي بَعْضِ مَا زَعَمُوهُ مِنْ حِكَايَاتِ السِّحْرِ، وَكَذَّبُوهُمْ فِيمَا رَمَوْا بِهِ سُلَيْمَانَ مِنَ الْكُفْرِ، وَإِنَّكَ لَتَرَى دَجَاجِلَةَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَوْمِ يَتْلُونَ أَقْسَامًا وَعَزَائِمَ، وَيَخُطُّونَ خُطُوطًا وَطَلَاسِمَ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَعُهُودَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَقِي حَامِلَهَا مِنِ اعْتِدَاءِ الْجِنِّ وَمَسِّ الْعَفَارِيتِ، وَلَقَدْ رَأَى كَاتِبُ هَذَا التَّفْسِيرِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ حَدَاثَتِهِ يُصَدِّقُ بِهِ وَيَعْتَقِدُ فَائِدَتَهُ.
وَقَدْ زَعَمَ الْيَهُودُ أَنَّ سُلَيْمَانَ سَحَرَ وَدَفَنَ السِّحْرَ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَأَنَّهُ أَضَاعَ خَاتَمَهُ الَّذِي كَانَ بِهِ مُلْكُهُ، فَوَقَعَ فِي يَدِ آخَرَ وَجَلَسَ مَجْلِسَهُ لِلْحُكْمِ، إِلَى آخِرِ مَا خَلَطُوا فِيهِ التَّارِيخَ بِالدَّجَلِ.
وَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي جَمَعَ كُتُبَ السِّحْرِ مِنَ النَّاسِ وَدَفَنَهَا
تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا النَّاسُ وَتَنَاقَلُوهَا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ إِنَّمَا دَفَنَ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ كُتُبًا أُخْرَى فِي الْعُلُومِ، فَلَمَّا اسْتُخْرِجَتْ، أَشَاعَ الشَّيَاطِينُ أَنَّهَا كُتُبُ سِحْرٍ، وَأَنْشَأَ الدَّجَّالُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَحِلُونَ مَا شَاءُوا وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى تِلْكَ الْكُتُبِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قَالُوهُ عَلَى سُلَيْمَانَ وَمُلْكِهِ مِنْ خَبَرِ السِّحْرِ وَالْكُفْرِ مَكْذُوبٌ، افْتَرَاهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَقَدْ قَصَّهُ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا؛ لِنَعْتَبِرَ بِمَا افْتَرَاهُ هَؤُلَاءِ النَّاسُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَبِتَرْجِيحِ فَرِيقٍ مِنْ خَلْفِهِمُ الْاشْتِغَالَ بِذَلِكَ عَلَى الِاهْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى إِنَّهُمْ نَبَذُوا كِتَابَهُمُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ ذِكْرَ الْقِصَّةِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يُحْكَى فِيهَا عَنِ النَّاسِ صَحِيحًا، فَذِكْرُ السِّحْرِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ مَا يَعْتَقِدُ النَّاسُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ نِسْبَةَ الْكُفْرِ إِلَى سُلَيْمَانَ الَّتِي عُلِمَتْ مِنَ النَّفْيِ لَا تَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست