responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 322
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ التَّمَنِّي بِالسُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْعَرَبِ. وَلَعَلَّهُ فَسَّرَهُ بِاللَّازِمِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَمَنَّى شَيْئًا طَلَبَهُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ بِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللهِ - تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْقِتَالِ، يُعَبِّرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَمَّا فِي نُفُوسِهِمْ، وَمَا هُوَ إِلَّا صِدْقُ الْإِيْمَانِ بِمَا أَعَدَّ اللهُ للْمُؤْمِنِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
أَقُولُ: تَفْسِيرُ التَّمَنِّي بِلَازِمِهِ الْقَوْلِيِّ كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوِ الْعَمَلِيِّ كَالتَّعَرُّضِ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ الْإِيْمَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ غَيْرِهِ يَدْفَعُ إِيرَادَ مَنْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّمَنِّي تَمَنِّيَ النَّفْسِ فَلَا يَظْهَرُ صِدْقُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) وَقَدْ ظَهَرَ صِدْقُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَتَمَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ الْمَوْتَ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَمَاتُوا - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ التَّمَنِّي بِحَقِيقَتِهِ يَدْفَعُ كُلَّ إِيرَادٍ؛ فَقَدْ قَالَ: إِنَّ الْكَلَامَ حُجَّةٌ عَلَى مُدَّعِي الْإِيْمَانِ، وَاسْتِحْقَاقَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِأَهْلِهِ فِي الْآخِرَةِ تُقْنِعُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِمَّا صَادِقُونَ فِي دَعْوَاهُمْ، وَذَلِكَ إِذَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ فِي أَنْفُسِهِمُ الْمَوْتَ وَالْوُصُولَ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيَبْذُلُونَ أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِارْتِيَاحٍ إِذَا كَانَ حِفْظُ الْحَقِّ يَقْتَضِي بَذْلَهَا، وَإِمَّا كَاذِبُونَ فِيهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانُوا شَدِيدِي الْحِرْصِ عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحُجَّةَ
الْإِلْزَامِيَّةَ أَمَامَ النَّاسِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْعِبْرَةُ فِي الْآيَةِ عَامَّةً، فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي سِيَاقِ الْاحْتِجَاجِ عَلَى الْيَهُودِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّخِذُوهَا مِيزَانًا يَزِنُونَ بِهِ دَعْوَاهُمُ، الْيَقِينَ فِي الْإِيْمَانِ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ أَنْزَلَهَا لِذَلِكَ.
لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا) أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: يَا لَيْتَنَا نَمُوتُ، أَوْ كَلِمَةً هَذَا مَعْنَاهَا لَكَانَ الْاحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّعْجِيزِ عَنْ لَفْظٍ يُحَرِّكُونَ بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ، وَلَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْخَوَارِقِ الْكَوْنِيَّةِ، وَلَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ نَفِيِ التَّمَنِّي بِقَوْلِهِ: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ هُمْ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ عَاصُونَ مُقْتَرِفُونَ لِلذُّنُوبِ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ، لَا أَنَّ أَلْسِنَتَهُمْ عَاجِزَةٌ عَنِ النُّطْقِ بِكَلِمَةٍ تَدُلُّ عَلَى تَمَنِّي، وَإِنْ كَذِبًا - وَكَثِيرًا مَا كَانُوا يَكْذِبُونَ - وَقَدْ أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْأَيْدِي؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا؛ وَلِذَلِكَ جَرَى عُرْفُ اللُّغَةِ عَلَى جَعْلِهَا كِنَايَةً عَنِ الشَّخْصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَامِلٌ مُطْلَقًا، وَقَدْ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ فِي حُكْمِهِمْ بِأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ خَالِصَةٌ لَهُمْ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنَ الشُّعُوبِ مَحْرُومٌ مِنْهَا، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِفْتَانًا عَلَى اللهِ - تَعَالَى - فَهُوَ ظَالِمٌ مِثْلَهُمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ فِي الْإِخْلَادِ إِلَى الْأَرْضِ وَالْفَنَاءِ فِي حُبِّ الْبَقَاءِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِمَّا يَدَّعُونَ، وَلَا ثِقَةَ لَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَقَالَ: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) كَذَلِكَ كَانُوا وَكَذَلِكَ هُمُ الْآنَ. وَالظَّاهِرُ مِنْ سِيرَتِهِمْ وَنِظَامِ مَعِيشَتِهِمْ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ يَكُونُونَ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ خَاصٌّ بِمَنْ كَانُوا فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ، يُحَاجُّهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُشَاغِبُونَهُ وَيُجَاحِدُونَهُ، مُعْتَزِّينَ بِشَعْبِهِمْ مُغْتَرِّينَ بِكِتَابِهِمْ، بَلْ ذَهَبَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 322
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست