responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 303
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) أَيْ وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ فِي سِيَاقِ خِطَابِهِمْ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) . . . إِلَخْ بَيَانٌ لَهُ - أَيْ لِلْمِيثَاقِ - لَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُ.
يُقَالُ: أَخَذْتُ عَلَيْكَ عَهْدًا تَفْعَلُ كَذَا، كَمَا تَقُولُ: أَنْ تَفْعَلَ كَذَا سَوَاءٌ، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ، يُلَاحَظُ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قَدِ امْتَثَلَ فَيُخْبِرُ بِوُقُوعِهِ، أَوْ إِنَّهُ - لِتَوْثِيقِهِ وَالتَّشْدِيدِ فِي تَأْكِيدِهِ - سَيَمْتَثِلُ حَتْمًا فَيُخْبِرُ بِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. (أَقُولُ) وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ - تَعَالَى - وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ، وَإِنَّمَا يَخْشَى عَلَيْهِمُ الشِّرْكَ بِهِ كَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَجْيَالِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الشُّعُوبِ، فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ لِدِينِ اللهِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ هُوَ أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرَكَ بِهِ عِبَادَةُ أَحَدٍ سِوَاهُ مِنْ مَلَكٍ وَلَا بَشَرٍ وَلَا مَا دُونَهُمَا بِدُعَاءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (4: 36) فَالتَّوْحِيدُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
قَالَ - تَعَالَى -: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أَيْ وَتُحْسِنُونَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَالْإِحْسَانُ
نِهَايَةُ الْبِرِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَجِبُ مِنَ الرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَقَدْ أَكَّدَ اللهُ الْأَمْرَ بِإِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ حَتَّى إِنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا الْآنَ أَنَّ مَنْ يَسُبُّ وَالِدَيْهِ يُقْتَلُ، وَقَدْ قَرَنَ الْأَمْرَ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ أَوِ النَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (17: 23) . وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ بِأَمْرِ الْوَالِدَيْنِ فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ لِكَوْنِهِمَا سَبَبَ وُجُودِ الْوَلَدِ كَمَا يَقُولُ النَّاسُ، فَإِنَّهُ لَا مِنَّةَ لَهُمَا عَلَى الْوَلَدِ بِهَذِهِ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إِكْرَامًا لَهُ وَلَا عِنَايَةً بِهِ، كَيْفَ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا أَوْ مَوْجُودًا فَيُكْرَمُ! ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِبَاعِثِ الشَّهْوَةِ وَإِرْضَاءِ النَّفْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ الْوَلَدُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَاجِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَوَدُّ أَلَّا يُولَدَ لَهُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ أَوْ وَلَدَانِ فَقَطْ فَيَكُونَ لَهُ أَكْثَرُ. فَإِذَا كَانَ وُجُوبُ الْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ مَعْلُولًا لِإِرَادَتِهِمَا الْوَلَدَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ هَذَا الْإِحْسَانُ بِوَلَدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِنَ الزَّوْجِيَّةِ حَظٌّ سِوَاهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَا لَا وُجُودَ لَهُ، ذَلِكَ كَلَامٌ شِعْرِيٌّ، وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ فِي وُجُوبِ هَذَا الْإِحْسَانِ عَلَى الْوَلَدِ هِيَ الْعِنَايَةُ الصَّادِقَةُ الَّتِي بَذَلَاهَا فِي تَرْبِيَتِهِ، وَالْقِيَامِ بِشُئُونِهِ أَيَّامَ كَانَ ضَعِيفًا عَاجِزًا جَاهِلًا، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا ضَرَرًا، إِذْ كَانَا يَحُوطَانِهِ بِالْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، وَيَكْفُلَانِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِ نَفْسِهِ، فَهَذَا هُوَ الْإِحْسَانُ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُمَا عَنْ عِلْمٍ وَاخْتِيَارٍ، بَلْ مَعَ الشَّغَفِ الصَّحِيحِ وَالْحَنَانِ الْعَظِيمِ، وَمَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَشْكُرَ لِكُلِّ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى أَمْرٍ عَسِيرٍ فَضْلَهُ، وَيُكَافِئَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ فِي الْمُسَاعِدِ، وَمَا كَانَتْ بِهِ الْمُسَاعَدَةُ، فَكَيْفَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشُّكْرُ لِلْوَالِدَيْنِ بَعْدَ الشُّكْرِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَهُمَا اللَّذَانِ كَانَا يُسَاعِدَانِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَيَّامَ كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ؟ ! .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست