responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 298
ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِيمَانِ صَاحِبِهِ، وَقَدْ مَضَى عَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَأَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْجَاهِلُ يَأْخُذُ عَنِ الْعَالِمِ الْعَقِيدَةَ بِبُرْهَانِهَا، وَالْأَحْكَامَ بِرِوَايَتِهَا، وَلَا يَتَقَلَّدُ رَأْيَهُ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْأَمَانِيَّ بِالْأَكَاذِيبِ ابْتِدَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْقِرَاءَاتِ، أَيْ أَنَّهُمْ لَا حَظَّ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ إِلَّا قِرَاءَةَ أَلْفَاظِهِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ وَلَا اعْتِبَارٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي الْعَمَلِ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) (62: 5) وَقَدْ وَرَدَ التَّمَنِّي بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ... تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّمَنِّي قَدْ بَرَزَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى سَبَقُوا مَنْ قَبْلَهُمْ، فَقَدْ أَمْسَوْا
أَكْثَرَ الْأُمَمِ تِلَاوَةً لِكِتَابِهِمْ، وَأَقَلَّهُمْ فَهْمًا لَهُ وَاهْتِدَاءً بِهِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّمَا يُحْسِنُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَاتِ مَنْ كَانَ عَلَى عِلْمٍ بِتَارِيخِ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَوُقُوفٍ عَلَى حَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ إِلَّا نُسْخَةً مِنْ حَالِ بَعْضِ الشُّعُوبِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ. . . كَانُوا أَكْثَرَ النَّاسِ مِرَاءً وَجِدَالًا فِي الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا بَاهِرًا، وَأَشَدَّ النَّاسِ كَذِبًا وَغُرُورًا وَأَكْلًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ كَالرِّبَا الْفَاحِشِ، وَغِشًّا وَتَدْلِيسًا وَتَلْبِيسًا، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ شَعْبُ اللهِ الْخَاصُّ وَأَفْضَلُ النَّاسِ كَمَا يَعْتَقِدُ أَشْبَاهُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَهَذِهِ هِيَ الْأَمَانِيُّ الَّتِي صَدَّتْهُمْ عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا اللَّفْظُ وَالنَّظْمُ فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: (إِلَّا أَمَانِيَّ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالْعِلْمُ الْمَنْفِيُّ قَاصِرٌ لَا يَشْمَلُ الْأَمَانِيَّ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا، وَالْآيَةُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: مَا عَلِمْتُ فُلَانًا إِلَّا فَاضِلًا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَجْمُوعَةُ أَمَانِيٍّ يُمَنُّونَهَا أَنْفُسَهُمْ، فَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ إِلَّا مَا هُوَ لَهُمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي غُرُورِهِمْ، وَأَمَّا مَا يُنَبِّهُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ.
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)
قَالَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) : إِنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْأَحْكَامَ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، كَآيَةِ الرَّجْمِ وَوَصَفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 298
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست