responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 285
كَمَا مُثِّلُوا بِالْحِمَارِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) (62: 5) وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (5: 60) وَالْخُسُوءُ: هُوَ
الطَّرْدُ وَالصَّغَارُ. وَالْأَمْرُ لِلتَّكْوِينِ، أَيْ فَكَانُوا بِحَسْبِ سُنَّةِ اللهِ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ وَأَخْلَاقِهِ كَالْقِرْدَةِ الْمُسْتَذَلَّةِ الْمَطْرُودَةِ مِنْ حَضْرَةِ النَّاسِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الِاعْتِدَاءَ الصَّرِيحَ لِحُدُودِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ قَدْ جَرَّأَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ بِلَا خَجَلٍ وَلَا حَيَاءٍ حَتَّى صَارَ كِرَامُ النَّاسِ يَحْتَقِرُونَهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُمْ أَهْلًا لِمُجَالَسَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ (أَيْلَةُ) وَقِيلَ: (طَبَرِيَّةُ) أَوْ (مَدْيَنُ) وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْقُرْآنُ لَمْ يُعَيِّنِ الْمَكَانَ وَلَا الزَّمَانَ، وَالْعِبْرَةُ الْمَقْصُودَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ، فَالْحُجَّةُ فِيمَا ذُكِرَ قَائِمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُبَيِّنَةٌ أَنَّ مُجَاحَدَتَهُمْ وَمُعَانَدَتَهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ بِدْعًا مَنْ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهَا عِبْرَةٌ بَيِّنَةٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْسُقُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فَيَتَّخِذُ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَيَعِيشُ عِيشَةً بَهِيمِيَّةً. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ مَعْنَى (كُونُوا قِرَدَةً) أَنَّ صُوَرَهُمْ مُسِخَتْ فَكَانُوا قِرَدَةً حَقِيقِيِّينَ، وَالْآيَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِيهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا النَّقْلُ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي الْآيَةِ عِبْرَةٌ وَلَا مَوْعِظَةٌ لِلْعُصَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بِالْمُشَاهَدَةِ أَنَّ اللهَ لَا يَمْسَخُ كُلَّ عَاصٍ فَيُخْرِجُهُ عَنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ الْكُبْرَى فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ مِنْ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي اللَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أَنَّ مَنْ يَفْسُقْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، وَيَتَنَكَّبِ الصِّرَاطَ الَّذِي شَرَعَهُ لَهُ، يَنْزِلْ عَنْ مَرْتَبَةِ الْإِنْسَانِ وَيَلْتَحِقْ بِعَجْمَاوَاتِ الْحَيَوَانِ. وَسُنَّةُ اللهِ - تَعَالَى - وَاحِدَةٌ، فَهُوَ يُعَامِلُ الْقُرُونَ الْحَاضِرَةَ بِمِثْلِ مَا عَامَلَ بِهِ الْقُرُونَ الْخَالِيَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أَيْ جَعَلْنَا هَذِهِ الْعُقُوبَةَ نَكَالًا، وَهُوَ مَا يُفْعَلُ بِشَخْصٍ مِنْ إِيذَاءٍ وَإِهَانَةٍ لِيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ؛ أَيْ عِبْرَةً يَنْكُلُ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا أَيْ يَمْتَنِعُ عَنِ اعْتِدَاءِ الْحُدُودِ، وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ (النِّكْلُ) لِلْقَيْدِ، أَوْ هُوَ أَصْلُهَا وَمِنْهَا النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ، وَمَا بَيْنَ يَدَيْهَا يُرَادُ بِهِ مَنْ وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِمْ كَمَا يُرَادُ بِمَا خَلْفَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ - تَعَالَى.
وَأَمَّا كَوْنُهَا مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، فَهُوَ أَنَّ الْمُتَّقِيَ يَتَّعِظُ بِهَا فِي نَفْسِهِ بِالتَّبَاعُدِ عَنِ الْحُدُودِ الَّتِي يُخْشَى اعْتِدَاؤُهَا (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) (2: 187) وَيَعِظُ بِهَا غَيْرَهُ أَيْضًا، وَلَا يَتِمُّ كَوْنُ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ نَكَالًا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ جَارِيَةً عَلَى السُّنَّةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأُمَمِ وَتَهْذِيبِ الطِّبَاعِ، وَذَلِكَ مَا هُوَ
مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ، وَمَشْهُورٌ عِنْدَ عَرْفَاءِ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ (وَحَدِيثُ الْمَسْخِ وَالتَّحْوِيلِ، وَأَنَّ أُولَئِكَ قَدْ تَحَوَّلُوا مِنْ أُنَاسٍ إِلَى قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّهْوِيلُ وَالْإِغْرَابُ؛ فَاخْتِيَارُ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ هُوَ الْأَوْفَقُ بِالْعِبْرَةِ وَالْأَجْدَرُ بِتَحْرِيكِ الْفِكْرَةِ) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 285
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست