responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 284
سَعَادَةَ الدُّنْيَا، وَهِيَ التَّمَكُّنُ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، ثُمَّ خَسِرْتُمْ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَهِيَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا. فَمِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ وَفَّقَكُمْ لِلْعَمَلِ بِالْمِيثَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ.
شَايَعَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الطُّورِ كَانَ آيَةً كَوْنِيَّةً، أَيْ أَنَّهُ انْتُزِعَ مِنَ الْأَرْضِ وَصَارَ مُعَلَّقًا فَوْقَهُمْ فِي الْهَوَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَلْفَاظُهَا نَصًّا فِيهِ، إِذِ الرَّفْعُ وَالِارْتِفَاعُ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ - أَوْ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ - رَفِيعًا عَالِيًا كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (88: 13) وَقَالَ: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) (56: 34) فَكُلٌّ مِنَ السُّرُرِ وَالْفُرُشِ تَكُونُ مَرْفُوعَةً وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (7: 171) لَيْسَ نَصًّا أَيْضًا فِي كَوْنِ الْجَبَلِ رُفِعَ فِي الْهَوَاءِ. فَأَصْلُ النَّتْقِ فِي اللُّغَةِ: الزَّعْزَعَةُ وَالزَّلْزَلَةُ كَمَا سَبَقَ. قَالَ فِي حَقِيقَةِ
الْأَسَاسِ نَتَقَ الْبَعِيرُ الرَّحْلَ: زَعْزَعَهُ، وَنَتَقْتُ الزُّبْدَ: أَخْرَجْتُهُ بِالْمَخْضِ، وَنَتَقَ اللهُ الْجَبَلَ: رَفَعَهُ مُزَعْزَعًا فَوْقَهُمْ. اهـ.
وَالظُّلَّةُ: كُلُّ مَا أَظَلَّكَ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ رَأْسِكَ أَوْ فِي جَانِبِكَ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ لَهُ ظِلٌّ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا بِجَانِبِ الطُّورِ رَأَوْهُ مَنْتُوقًا، أَيْ مُرْتَفِعًا مُزَعْزَعًا، فَظَنُّوا أَنْ سَيَقَعُ بِهِمْ، وَيَنْقَضُّ عَلَيْهِمْ، وَيَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَثَرِ زِلْزَالٍ تَزَعْزَعَ لَهُ الْجَبَلُ، وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ كَوْنِ ذَلِكَ إِرْهَابًا لِلْإِكْرَاهِ عَلَى قَبُولِ التَّوْرَاةِ، وَإِذَا صَحَّ هَذَا التَّأْوِيلُ، لَا يَكُونُ مُنْكِرُ ارْتِفَاعِ الْجَبَلِ فِي الْهَوَاءِ مُكَذِّبًا لِلْقُرْآنِ.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)
أَبَاحَ اللهُ - تَعَالَى - لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَمَلَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنَ الْأُسْبُوعِ، وَحَظَرَ عَلَيْهِمُ الْعَمَلَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ إِحْيَاءً لِلشُّعُورِ الدِّينِيِّ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِضْعَافًا لِشَرَهِهِمْ فِي جَمْعِ الْحُطَامِ وَحُبِّهِمْ لِلدُّنْيَا، فَتَجَاوَزَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ حُدُودَ اللهِ فِي السَّبْتِ وَاعْتَدُوهَا، فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ مَنْ لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بِآدَابِ الدِّينِ، وَجَزَاءُ مِثْلِهِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ مُحِيطِ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ، وَالرُّتُوعُ فِي مَرَاتِعِ الْبَهِيمِيَّةِ، كَالْقِرْدِ فِي نَزَوَاتِهِ، وَالْخِنْزِيرِ فِي شَهَوَاتِهِ، وَقَدْ سَجَّلَ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِحُكْمِ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ، وَالنَّوَامِيسِ الَّتِي أَقَامَ بِهَا نِظَامَ الْخَلِيقَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) أَيْ وَأُقْسِمُ أَنَّكُمْ لَقَدْ عَلِمْتُمْ نَبَأَ الَّذِينَ تَجَاوَزُوا حُدُودَ حُكْمِ الْكِتَابِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ يَوْمَ السَّبْتِ - وَسَيَأْتِي نَبَؤُهُمْ مُفَصَّلًا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ - (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مُسِخَتْ صُوَرُهُمْ وَلَكِنْ مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ، فَمُثِّلُوا بِالْقِرْدَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 284
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست