responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 242
بَعْضٍ لِمَا بَيْنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْمَرْءُوسِينَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ فَوْتَ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَنُزُولَ بَعْضِ الْمَضَارِّ بِكُمْ إِذَا خَالَفْتُمُ الْجَمَاهِيرَ وَاتَّبَعْتُمُ الْحَقَّ فَالْأَوْلَى أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَرْهَبُوا إِلَّا مَنْ بِيَدِهِ أَزِمَّةُ الْمَنَافِعِ كُلِّهَا، وَهُوَ اللهُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ الْكُبْرَى أَوِ النِّعَمِ كُلِّهَا، وَهُوَ وَحْدَهُ الْقَادِرُ عَلَى سَلْبِهَا، وَعَلَى الْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، فَارْهَبُوهُ وَحْدَهُ لَا تَرْهَبُوا سِوَاهُ.
ثُمَّ انْتَقَلَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِعُمُومِ الْعَهْدِ إِلَى الْعَهْدِ الْخَاصِّ الْمَقْصُودِ مِنَ السِّيَاقِ فَقَالَ - تَعَالَى - جَلَّ شَأْنُهُ: (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) مِنْ تَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ كَالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَذَا مِنَ الْإِرْشَادِ الْمُوصِلِ إِلَى السَّعَادَةِ، فَإِذَا نَظَرْتُمْ فِي الْقُرْآنِ وَوَجَدْتُمُوهُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ وَأُصُولِهِ وَوُعُودِ الْأَنْبِيَاءِ وَعُهُودِهِمْ، تَعْلَمُونَ أَنَّ الرُّوحَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ هُوَ عَيْنُ الرُّوحِ الَّذِي نَزَلَ بِمَا سَبَقَهُ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لِهَذَا النَّبِيِّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَى مِثْلِ مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءُ إِلَّا تَقْرِيرَ الْحَقِّ، وَهِدَايَةَ الْخَلْقِ، بَعْدَمَا طَرَأَ مِنْ ضَلَالَةِ التَّأْوِيلِ وَجَهَالَةِ التَّقْلِيدِ، فَبَادِرُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ، (أَحَدُهُمَا) إِعْجَازُهُ (وَثَانِيهُمَا) كَوْنُهُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) أَيْ وَلَا تُبَادِرُوا إِلَى الْكُفْرِ بِهِ وَالْجُحُودِ لَهُ مَعَ جَدَارَتِكُمْ بِالسَّبْقِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَعْرُوفٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقْصَدُ بِالْأَوَّلِيَّةِ فِيهِ حَقِيقَتُهَا. وَالْخِطَابُ عَامٌّ لِلْيَهُودِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ثُمَّ قَالَ: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) الْآيَاتُ هِيَ الدَّلَائِلُ الَّتِي أُيِّدَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْظَمُهَا الْقُرْآنُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى) (2: 16) أَيْ
لَا تُعْرِضُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِهَذَا النَّبِيِّ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَسْتَبْدِلُوا بِهِدَايَتِهِ هَذَا الثَّمَنَ الْقَلِيلَ، وَهُوَ مَا يَسْتَفِيدُهُ رُؤَسَاؤُكُمْ مِنَ الْمَرْءُوسِينَ مِنْ مَالٍ وَجَاهٍ أَوْقَعَاهُمْ فِي الْكِبْرِ، وَمَا يَتَوَقَّعُهُ الْمَرْءُوسِينَ مِنَ الزُّلْفَى وَالْحُظْوَةِ بِتَقْلِيدِ الرُّؤَسَاءِ وَاتِّبَاعِهِمْ وَمَا يَخْشَوْنَهُ إِذَا خَالَفُوهُمْ مِنَ الْمَهَانَةِ وَالذِّلَّةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْجَزَاءُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا عَدَا الْحَقَّ قَلِيلٌ وَحَقِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ قَلِيلًا وَصَاحِبُهُ يَخْسَرُ عَقْلَهُ وَرُوحَهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لِإِعْرَاضِهِ عَنِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَاتِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ يَخْسَرُ عِزَّ الْحَقِّ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الشَّأْنِ الْعَظِيمِ وَحُسْنِ الْعَافِيَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَخْسَرُ مَرْضَاةَ اللهِ - تَعَالَى - وَتَحُلُّ بِهِ نِقَمُهُ فِي الدُّنْيَا وَعُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ. وَخَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِشِبْهِ مَا خَتَمَ بِهِ مَا قَبْلَهَا وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) وَلَيْسَ فِي هَذِهِ مَعَ سَابِقَتِهَا تَكْرَارٌ وَلَا شِبْهَ تَكْرَارٍ كَمَا يُتَوَهَّمُ، فَقَدْ حَلَّ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مَحِلَّهُ، وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ لِاتِّقَاءِ الرَّئِيسِ فَوْتَ الْمَنْفَعَةِ مِنَ الْمَرْءُوسِ، وَاتِّقَاءِ الْمَرْءُوسِ غَضَبَ الرَّئِيسِ، فَدَحَضَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ بِالْأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ الَّذِي بِيَدِهِ قُلُوبُ الْعِبَادِ وَجَوَارِحُهُمْ، وَهُوَ الْمُسَخِّرُ لَهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 242
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست