responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 231
وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْأَكْلِ مِنْهَا ضَرَرٌ، أَوْ كَانَ النَّهْيُ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا مِنْهُ - تَعَالَى - لِيَظْهَرَ بِهِ مَا فِي اسْتِعْدَادِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الْإِشْرَافِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَاخْتِبَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ.
قَالَ - تَعَالَى -: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) أَيْ حَوَّلَهُمَا وَزَحْزَحَهُمَا عَنِ الْجَنَّةِ، أَوْ حَمَلَهُمَا عَلَى الزَّلَّةِ بِسَبَبِ الشَّجَرَةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: (فَأَزَالَهُمَا) وَالشَّيْطَانُ: إِبْلِيسُ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَخْضَعْ، وَقَدْ وَسْوَسَ لَهُمَا بِمَا ذُكِرَ فِي سُورَتَيِ الْأَعْرَافِ وَطَهَ حَتَّى أَوْقَعَهُمَا فِي الزَّلَلِ وَحَمَلَهُمَا عَلَى الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَا (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوِ النَّعِيمِ الَّذِي كَانَا فِيهِ، فَكَانَ الذَّنْبُ مُتَّصِلًا بِالْعُقُوبَةِ اتِّصَالَ السَّبَبِ بِالْمُسَبِّبِ، ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - كَيْفِيَّةَ الْإِخْرَاجِ بِقَوْلِهِ: (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) يَعْنِي آدَمَ وَزَوْجَهُ وَإِبْلِيسَ، فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِالْجَمْعِ كَمَا فَعَلَ مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) تُنَافِي هَذَا التَّقْدِيرَ فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالشَّيْطَانِ لَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَذُرِّيَّتِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْهُبُوطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ إِلَى أَسْفَلَ مِنْهُ؛ وَلِذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ آدَمَ كَانَ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الِانْتِقَالِ أَوْ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْهُبُوطُ الِانْحِدَارُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْجَنَّةُ فِي رَبْوَةٍ، فَسِمَةُ الْخُرُوجِ مِنْهَا هُبُوطًا، أَوْ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَلُوا إِلَيْهِ دُونَ مَا كَانُوا فِيهِ، أَوْ هُوَ كَمَا يُقَالُ: هَبَطَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: (اهْبِطُوا مِصْرًا) (2: 61) .
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) أَيْ إِنَّ اسْتِقْرَارَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَتَمَتُّعَكُمْ فِيهَا يَنْتَهِيَانِ إِلَى زَمَنٍ مَحْدُودٍ وَلَيْسَا بِدَائِمَيْنِ، فَفِي الْكَلَامِ فَائِدَتَانِ:
(إِحْدَاهُمَا) أَنَّ الْأَرْضَ مُمَهَّدَةٌ وَمُهَيَّأَةٌ لِلْمَعِيشَةِ فِيهَا وَالتَّمَتُّعِ بِهَا.
(وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ طَبِيعَةَ الْحَيَاةِ فِيهَا تُنَافِي الْخُلُودَ وَالدَّوَامَ، فَلَيْسَ الْهُبُوطُ لِأَجْلِ الْإِبَادَةِ وَمَحْوِ الْآثَارِ، وَلَيْسَ لِلْخُلُودِ كَمَا زَعَمَ إِبْلِيسُ بِوَسْوَسَتِهِ إِذْ سَمَّى الشَّجَرَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا (شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (20: 120) يَعْنِي أَنَّ اللهَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ جَنَّةِ الرَّاحَةِ إِلَى أَرْضِ الْعَمَلِ لَا لِيُفْنِيَهُمْ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْأَرْضِ، وَلَا لِيُعَاقِبَهُمْ بِالْحِرْمَانِ مِنَ التَّمَتُّعِ بِخَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَتَاعِ، وَلَا لِيُمَتِّعَهُمْ بِالْخُلُودِ وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِكَوْنِ الِاسْتِقْرَارِ وَالْمَتَاعِ إِلَى حِينٍ.
ثُمَّ قَالَ: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) أَيْ أَلْهَمَهُ اللهُ إِيَّاهَا بِهَا وَهِيَ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (7: 23) تَابَ آدَمُ بِذَلِكَ وَأَنَابَ إِلَى رَبِّهِ (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أَيْ قَبِلَ تَوْبَتَهُ، وَعَادَ عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - هُوَ التَّوَّابُ؛ أَيِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كَثِيرًا، فَمَهْمَا يُذْنِبِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست